تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نافذة... أسئلة حافية القدمين

آراء
الأربعاء 16-9-2009م
سليم عبود

-1-

كغيمة إلى جوار غيمة، تتكاثفان عند خط الأفق، تتكاثف أسئلتنا الموجوعة على مشارف زماننا، يصير بينها وبين التهاطل العاصف مسافة عرض شعرة.. أو أقل من شعرة بقليل، متأهبة لاختراق عتبات صمت موجع يواصل تكاثفه، غامراً كل شيء.‏

-2-‏

في ضوء مايجري في الوطن العربي من أحداث عاصفة تهز المواطن العربي الحالم بأمة واحدة، وبوطن واحد، وبتاريخ واحد وخطاب واحد وثقافة واحدة.‏

أتساءل: «متى يتحرر الواقع العربي من صدأ ثقافة القبيلة والعشيرة والطائفة والمذهب؟!‏

للأسف، الأنظمة العربية الرسمية تكرس ثقافة تختلف تماماً عن ثقافة الأمة الواحدة، والمصير الواحد والوجع المشترك، والتحدي المشترك وفي ضوء هذا الواقع المتردي جداً، يتقدم دور قادة العشائر والطوائف والأعراق ويتراجع دور المثقف والمفكر والسياسي العروبي القومي، وبمرور الوقت، وبالدعم الرسمي والدعم الخارجي تتكاثف ثقافة القبيلة، وينهض مثقف القبيلة، وساسة القبيلة في مواجهة ثقافة وحدة الأمة والتاريخ والجغرافيا، وفي ضوء هذا الواقع تصير جغرافية الوطن الكبير قطعاً وأجزاء بحجم جغرافية كل قبيلة وطائفة متى يعيد فيها النظام العربي الرسمي النظر في سياساته وثقافته وخطابه لبناء خطاب جديد، يتقدم في مناخه المثقف العروبي والسياسي العروبي والمتدين العروبي لبناء عالم عربي متين وقوي ومتماسك على امتداد الخارطة العربية آخر أحزاني: إعلان الشاعر أحمد فؤاد نجم على قناة «اللاحرة» موت الحالة القومية.‏

-3-‏

بعد ألف وأربعمئة سنة من الصمود والتماسك ومقاومة المحتل والغازي وتحطيم معاول التفكيك تعود معاول القبيلة والطائفة لهدم جدار الأمة الذي لم ينجح غاز في هدمه، لمصلحة من هذا التهديم الذي نمارسه؟! بالتأكيد لمصلحة إسرائيل وأمريكا.. لمصلحة من تهديم العراق المتماسك منذ سبعة آلاف سنة، هذه النزعة التفكيكية تزلزل التاريخ والجغرافيا والحلم الواحد والمجد الواحد الذي صنعه الشعب العراقي على مدى سبعة آلاف سنة، هل كان تخريب متحف العراق الكبير صفارة البداية لتخريب وحدة العراق؟!‏

-4-‏

الجامعة العربية تتحرك لكنها تمشي حافية في نفق لا تتبين الضوء في نهايته.. ماالذي تستطيع الجامعة العربية فعله في مواجهة طوفان الثقافات والتيارات والانقسامات والدماء والاتهامات والعداوات والبغضاء بين الشقيق والشقيق في البلد الواحد والمدينة الواحدة والحي الواحد؟!.‏

-5-‏

طوال القرن العشرين المنصرم، وعلى امتداد السنوات التي مرت من هذا القرن الجديد والأمم تبني وحدتها وترمم كياناتها المهدمة، تستنهض روحها الغافية، ونحن العرب نهدم كياننا ووحدتنا وثقافتنا طوال السنوات التي مرت من القرن الجديد والأمم تبني دورها في التاريخ، والعرب يتراجع دورهم في التاريخ والثقافة والجغرافيا والتاريخ لسبب واحد هو أن ثقافة الأمة الواحدة والوطن الواحد، والانتماء الواحد، والتاريخ الواحد تحت قصف التفكيك والتشكيك.‏

-6-‏

كل الأمم تتفاخر بلغتها، لأن اللغة هوية الأمة، يمكنني القول إن الأمة العربية تتميز على غيرها من الأمم الأخرى بأن اللغة عندها تشكل أهم عوامل صمودها الجغرافي والحضاري والثقافي والسياسي والديني، لأنها لغة القرآن الكريم، من المؤسف أن أبناءها يتهمونها بالعجز وأنها قادرة على حمل مهام مشروع عربي تطويري، الصهاينة استنهضوا اللغة العبرية من المقابر بعد ثلاثة آلاف سنة من موتها لبناء حلم الدولة الصهيونية.‏

-7-‏

في ظل هذا الضخ الطائفي والمذهبي والعرقي الداخلي والخارجي هل تتحول إسرائيل إلى قوة حفظ تهدئة بين الطوائف والشعوب العربية؟ هذا ماتخطط له أمريكا وإسرائيل وهذا مايمرر بجهلنا، العالم العربي يمتلك أكبر مخزون ثقافي وأكبر مخزون تاريخي وأكبر مخزون لاهوتي وأكبر احتياطي للنفط وللأسف، بات اليوم يقف في آخر قائمة الأمم المؤثرة في حركة التاريخ، كتب (دانيال بابيز) في النيويورك صن «عن» فوائد الحرب الأهلية في العراق وأفغانستان وباكستان والعالم العربي، يجب على الولايات المتحدة أن تستفيد من هذه الحالة وأن تستثمرها بذكاء وبراعة وأن أهم ميزة للحرب الأهلية في هذه البلدان أنها تشغل السكان بقتل بعضهم البعض، مايخفف الضغط على قوات الاحتلال الأمريكية، ويبرر بقاءها، إذ سيحاول كل فريق في هذه الحرب «الاستنجاد» بهذه القوات و«استمالتها» إلى جانبه، للانتصار على الفريق الآخر ثم إن العالم سيكون أكثر أمناً واطمئناناً بعد استمرار القتال الطائفي، مايؤدي في نهاية المطاف إلى زوال التهديد الإرهابي للغرب عامة، وللولايات المتحدة خاصة وتفتيت مايسمى الوحدة الإسلامية وتحقيق الهيمنة على بعض الدول التي لاتزال تحتكر الطاقة النفطية ولاتزال تحلم بمحاصرة إسرائيل بل زوالها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية