تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العودة إلى أحضان المحميات

الافتتاحية
الثلاثاء 16-12-2014
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

يستعيد الحضور العسكري الغربي في المنطقة زخمه من خلال النبش في رماد منسياته، بعد سنوات وربما عقود من الانكفاء إلى حدود التلاشي تقريباً، أو في الحد الأدنى استبعاده من الأجندات الغربية على مدى عقود خلت،

وتتعدد الوسائل والطرق من الاحتلال المباشر وصولاً إلى القواعد العسكرية، لكنها في نهاية المطاف توصل الأمور إلى النتيجة ذاتها دون فروق تذكر.‏

حدود التماس بين ما استولدته الهيمنة الغربية في عقودها الأخيرة بسطوتها السياسية والاقتصادية، والارتباط بجملة من الاتفاقات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وبين العودة إلى أحضان المحميات عبرالقواعد العسكرية بأشكالها البحرية والبرية تميط اللثام عن فنون التورية السياسية والإعلامية والدعائية على وقع ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة تعيد رسم إحداثياتها السياسية والجغرافية.‏

المسافة الفاصلة بين إقامة القواعد العسكرية وبين فقدان الجدوى من الارتباطات المباشرة وغير المباشرة لا تكفي لقراءة أبعاد ومخاطر ما يجري خلف الكواليس من أنماط تكرس الواقع القائم بتشظياته السياسية، وقد حفرت في تفاصيله عناوين إضافية للهيمنة تحت بنود تتعدد وربما تتلون لكنها لا تتغير ولا تتعدل.‏

اللافت، أن الإعلان عن إقامة تلك القواعد جاء متوافقاً مع خارطة توضع على الطاولة الغربية لتقاسم النفوذ الأميركي الأوروبي في منطقة الخليج، حيث المشيخات تتسابق إلى إعلان البدء بتنفيذ إقامة تلك القواعد، فالسعودية وقطر تتبع عملياتياً وواقعياً للنفوذ الأميركي بعدد لا يحصى من القواعد والانتشار العسكري، فيما جاءت مملكة البحرين «العظمى» من نصيب بريطانيا، لتحظى الإمارات بالحقيبة الفرنسية.‏

الاختلاف بين ما يجري من تموضع للنفوذ الغربي اليوم وما كان يتم في العهود الغابرة، لم يذهب باتجاه فرض خرائط على نمط سايكس بيكو، بل استفاد مما هو موجود منها، وتقاسمها على أرض الواقع في محاولة لتثبيت نقاط التمركز الجديدة، بعد أن وجد أن إعادة رسم خرائط وفرض إحداثيات جديدة يمكن أن يوصل إلى أماكن لا يستطيع معها الغرب أن يفرض إحداثياته وفق مصالحه وأطماعه، أو على الأقل بأن جزءاً اساسياً منها لا يتوافق وأطماعه في المنطقة ولا يفيد في تثبيت هيمنته، خصوصاً أن الكثير من مشاريعه التي كان يعدها قد أصيبت بالفشل أو بالعجز الكلي أو الجزئي.‏

وهذا ما تزامن مع تصادم الأطماع الغربية بمحددات وجودها، وتحول جزء منها إلى تحديات ذات أبعاد استراتيجية، وجاءت التفاصيل خارج سياقها التقليدي المعتاد، ففضلت الكثير منها العودة إلى الأدراج القديمة، ونفض الغبار عن مفاهيم السطوة والهيمنة ومجسماتها على الأرض من خلال القواعد العسكرية، التي حولت وتحول ما بقي من مشيخات الخليج محميات غربية تحت شعار مواجهة الخطر المحدق بها، والتصدي للتحديات الناتجة عن تدحرج كرة الأحداث خارج سياقها المرسوم له، وبما يتعارض مع مفهوم السيطرة على المنطقة بنماذجه المحدثة.‏

ما يزيد من المفارقات أن تلك القواعد جاءت في توقيت يزيد من مأزق العقل الغربي ومفهوم التسويق لأطماعه ومشاريعه تجاه المنطقة، حيث الصفقات الاقتصادية وعقود التسليح المتزايدة لا تفي بالغرض، ولا تستطيع أن تواجه الخلل في معادلات المشهد الدولي، فأوروبا العاجزة عن حماية ما تبقى من شيخوختها لا يمكن لها أن تعيد الشباب إلى محمياتها حتى لو كان عن طريق القواعد العسكرية المباشرة.‏

الأخطر هو ذلك الوهم الذي يستبيح المشهد الخليجي، على وقع ما تشهده المنطقة، متناسين بأن تلك القواعد لا يمكن لها أن تحمي انزياحاً تاريخياً آن آوانه، ولا حتى أن تؤجله ولو كان لبعض الوقت، سواء كانت هناك قواعد أم لم تكن، وسواء استقوت بالغرب وجحافل وجوده العسكري، أم فضلت اللجوء إلى المداورة في الزوايا والانعطاف، حيث ما عجز عنه التاريخ لن تقوى على مقاومته الجغرافيا، وما بطل بحكم الوجود الوظيفي لن تعيده وصفات القواعد العسكرية، وما أفسده انتهاء الصلاحية لن تقوى على النفخ في رماده خيارات الأدراج القديمة.‏

a.ka667@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية