تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حكومة أردوغان... المصالح التركية الغائب الأكبر !!

شؤون سياسية
الأحد 1-7-2012
عبد الحليم سعود

من يراقب السياسة الخارجية التي تنتهجها الحكومة التركية بقيادة أردوغان وحزبه «حزب العدالة والتنمية» يشعر وكأنها تعيش مرحلة مراهقة سياسية وأنها لم تبلغ بعد سن النضوج، إذ إن أكثر ما يلفت المراقب لهذه السياسة

أنها لا تنطلق من معايير وثوابت وطنية محددة، وأكثر ما يغيب عنها هي المصالح الإستراتيجية للشعب التركي، فتارة تأتي ردات فعلها حادة وانفعالية على أحداث عرضية وتارة تأتي باردة جداً لاترقى إلى درجة الحدث الذي تواجهه، فيصبح من العسير على من يقوم بتقييمها أن يجد لها أوصافاً محددة، واللافت في الأمر أن أبرز منتقدي هذه السياسة هم من الداخل التركي.‏

قبل سنوات حاول أردوغان ـ متأثراً بانتظاره الطويل على أسوار الاتحاد الأوروبي ـ العودة بالسياسة التركية إلى موقعها الطبيعي أي إلى قلب قضايا المنطقة ومشكلاتها لدرجة أننا شعرنا بما يشبه الانقلاب في طريقة التعاطي التركي مع ملفات كثيرة، وحسبنا لمرات عديدة أن تركيا الخارجة من رحم العثمانية قد أعلنت القطيعة مع هذه الحقبة البغيضة التي ولت إلى غير رجعة، وأن السياسة التي بنيت في مرحلة من مراحل التاريخ على الاستعلاء والعداء لكل ما هو عربي قد تعافت تماما وعادت إلى صوابها من البوابة الإسلامية، فالمواقف التركية الرافضة للغزو الأميركي للعراق عام 2003 والتي بدت وكأنها تدعم نضال الشعب الفلسطيني وتقاوم الحصار الإسرائيلي العنصري المفروض عليه رفعت من شعبية أردوغان في العالم العربي وجعلته شخصية مقبولة في نظر العديد ممن كانوا يشككون بالنيات التركية تجاه منطقتنا، ولا شك أن سورية قد لعبت دورا حاسما في هذا المجال عندما جعلت من نفسها بوابة التقارب العربي التركي ودخلت كوسيط لحل مشكلات تركيا مع بعض جيرانها ومن بينهم أرمينيا، وأعطت أنقرة دورا لم تكن تحلم به وهو الوساطة في مسألة حل الصراع مع العدو الصهيوني..‏

لكن سياسة تصفير المشكلات التي أعلنتها الحكومة التركية ، تحولت منذ أكثر من سنتين إلى سياسة معاكسة، فالقوات التركية تشن حرباً في شمال العراق لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني وهناك محاولات تركية للدخول في صلب الأزمة العراقية، ومنذ منتصف العام الماضي أخذت حكومة أردوغان مواقف غاية في السلبية من الأزمة السورية وتحولت في لحظة ما إلى طرف معاد للشعب والحكومة في سورية، فمسؤولوها يتعاقبون على إطلاق التهديدات والاتهامات ضد سورية دون وجه حق، ويشنون حروبا كلامية لا تليق بدولة بوزن وسمعة تركيا، والأنكى من ذلك أنها حولت جزءا من «أراضيها» إلى معسكرات يتجمع ويتدرب فيها المسلحون والمتمردون وينطلقون منها لشن الهجمات الإرهابية ضد المجتمع والدولة في سورية في سابقة عدوانية خطيرة، كما تحولت العديد من فنادق اسطنبول ومدن تركية أخرى إلى مجرد أوكار للمعارضة السورية الباحثة عن التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لسورية.‏

ورغم كل هذه المواقف السلبية حافظت الحكومة السورية على سوية معينة من سياسة ضبط النفس والتمسك بحسن الجوار ولم تتخذ أي موقف من شأنه الإضرار بمصالح الشعب التركي الذي أضرت به كثيراً سياسة أردوغان باعتراف الأتراك أنفسهم.‏

منذ أيام وعلى خلفية قيام وسائل دفاعنا الجوي بإسقاط هدف جوي في مياهنا الإقليمية تبين لاحقا أنه طائرة حربية تركية قامت بانتهاك السيادة السورية واختراق الأجواء والمياه الإقليمية لسورية دون سابق إنذار وفي ظروف بالغة الدقة والحساسية، عادت حكومة أردوغان إلى مراهقتها السياسية وبدأت لعبة جديدة قائمة على الاستفزاز وخلط الأوراق، وهذا ما يعطي انطباعا بأن حادثة الطائرة كانت عملا عدوانيا مدبرا على سورية ولم تكن كما وصفها الرئيس التركي عبد الله غول مجرد حادثة عابرة لا تنطوي على سوء نية، فإذا صح ما قاله غول فإن مثل هذه الحادثة العابرة تعالج ضمن لجنة مشتركة من البلدين تقوم بالتحقيق في الحادث وحيثياته وتقدم تقريراً مفصلا عنه لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتسويته بطريقة سلمية، ولا مبرر لكل هذه الضجة التي أثارتها أنقرة حول الحادث والتي وصلت إلى حد استدعاء حلف الناتو وقوى غربية أخرى من أجل التدخل، ومعلوم أن حلف الناتو هو حلف عسكري مهمته شن الحروب وليس الفصل في النزاعات بين الدول.‏

فلو قارنا سلوك الحكومة التركية مع حادثة الطائرة المذكورة التي اخترقت وانتهكت السيادة السورية مع سلوكها إزاء حادثة السفينة التركية «مرمرة» التي هاجمتها إسرائيل في المياه الدولية وهي تحمل مساعدات إنسانية للمحاصرين في قطاع غزة، وقتلت عددا من المتضامنين الأتراك على متنها، لتبين لنا أي حكومة نفاق وخداع تحكم اليوم في تركيا، فهل ثمة مجال للمقارنة بين الحادثتين أو بين ردتي الفعل التركية إزاءهما، فأردوغان ورغم الضغط الذي مارسه الشعب التركي على حكومته من أجل الاقتصاص من القتلة الصهاينة اكتفى فقط بمطالبة إسرائيل بالاعتذار ولم يحصل عليه وهي التي أهانت السفير التركي في تل أبيب وعاملته باستهزاء واحتقار بعيدا عن الأعراف الدبلوماسية، فهل تستحق حادثة الطائرة كل هذه الضجة وكل هذه الأفعال الارتجالية الرعناء.‏

في واقع الأمر يبدو أن أردوغان ماض في سياسة التصعيد ضد سورية في محاولة منه لإرضاء الأوروبيين والأميركيين لعلهم يوافقون على قبول أنقرة عضوا في المنظومة الأوروبية المتهالكة «الاتحاد الأوروبي»، ولكنه كما أثبتت التجارب لن يحصد سوى الخيبة والخذلان، وإن غداً لناظره قريب..!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية