|
مجتمع و يتساءلون .. هل نتركهم للاستغراق في عالم اللهو و التسلية بعد عناء عام دراسي طويل و مرهق .. أم ندعهم للاسترخاء و الاستسلام أمام شاشة التلفاز أو ألعاب الكمبيوتر .. أم نتوجه بهم إلى النوادي الصيفية من رياضية أو فنية أو معلوماتية ، ما هو السبيل الأمثل لاستغلال العطلة الصيفية برأي المختصين ؟ تنمية المواهب و توظيفها جملة من التساؤلات كانت محور لقائنا مع الدكتورة رشا شعبان عضو هيئة فنية في كلية الآداب جامعة دمشق ، و بداية أكدت على أهمية المرحلة العمرية للأطفال و اليافعين ، لأن هاتين المرحلتين تعتبران حجر الأساس، في تكوين شخصية الأفراد ، فإن نولي الأبناء الرعاية الكافية في هاتين المرحلتين ، تكون النتاج شخصيات سوية صحياً و نفسياً و اجتماعياً ، ما يفضي إلى تكوين المواطن الصالح المنتمي لمجتمعه و المنخرط في عملية التطور و النمو الاجتماعي . و عن أهمية استثمار العطلة الصيفية بطرق مخططة مسبقاً بهذه المرحلة العمرية .. أجابت د . شعبان بالقول : إن العطلة الصيفية تشكل مساحة من الحرية و فسحة واسعة تتيح المفاضلة بين الخيارات بما يتناسب و ميول و رغبات و قدرات اليافعين و الأطفال لتوظيفها بالمكان الصحيح و الملائم ، فانخراط الأبناء في النوادي الصيفية من رياضية و فنية و أدبية و اجتماعية ، يؤهلهم لتنمية مواهبهم و قدراتهم الكامنة و تطويرها بشكل متميز . و لكن قد ينظر بعض الأهل للعطلة الصيفية من منظور آخر ، فهي لديهم وقت لترك الأبناء على سجيتهم ، دون تخطيط مسبق أو تحديد للأهداف ، بل هي فترة للفوضى و اللهو ، بحجة أنها للراحة بعد عناء العام الدراسي ، فهل هم على حق ؟ تجيب د . شعبان قائلة : بالتأكيد هم على خطأ رغم كثرة من ينتهجون هذا الأسلوب فنرى بعض الأولاد ينتشرون بالشوارع و الأزقة يلعبون بعيداً عن رقابة الأهل بطريقة فوضوية ، أو نجد البعض منهم و قد استسلم للاسترخاء أمام شاشة التلفزيون لساعات و ساعات ، و هذا فهم خاطئ لمفهوم العطلة الصيفية ، فهي ليست لاسترخاء لقدرات الأبناء و تعطيل لطاقاتهم ، بل على العكس هي فترة لتنشيط و تحفيز و إيقاظ و إنعاش لهذه القدرات الكامنة ، و فرصة لاكتشاف المواهب و الميول ، و رعايتها و تنميتها في النوادي و الدورات التدريبية الملائمة ، فالعطلة الصيفية هي مساحة من الوقت و الفراغ علينا استثمارها بما ينمي تكوين الأبناء من الناحية الوجدانية و الانفعالية ، لأنهم خلال العام الدراسي تشغلهم المقررات الدراسية و يأخذ وقتهم التحصيل العلمي ، على حساب تكوين الجوانب الإنسانية الأخرى من فن و رياضة و أدب و مطالعة . تفريغ الطاقات بطريقة ممنهجة إذاً .. فإن النوادي الصيفية تشكل محطة مهمة خلال العطلة ، ماذا لو لم تُستثمر أوقات الفراغ بما هو مفيد ؟.. تجيب د . شعبان بالقول : إن اليافعين في مثل هذه المرحلة يضجون بالحيوية و النشاط ، و إن لم يجدوا الطريقة المناسبة للتفريغ ، فسوف يتجهون إلى الشوارع ليفرغوا طاقاتهم بأساليب ليست صحيحة و أحياناً تكون عنيفة ، كالاعتداء على الأماكن العامة أو حتى الممتلكات الخاصة كتشويه الجدران و الاساءة للآخرين كالجيران أو المارة ، و اكتساب لكثير من الأنماط السلوكية غير المقبولة اجتماعياً و أخلاقياً ، في ترجمة لمواقف تعبر عن اللامبالاة و المسؤولية نتيجة إهمال الأهل لما يفعلونه و تجاهلهم لكيف يفكرون و ماذا يفعلون . و لكن عندما ينتظم الأبناء ضمن النوادي الصيفية التي تلائم ميولهم و اهتماماتهم و توافق هواياتهم ، يتم تفريغ طاقاتهم بطريقة تربوية ممنهجة و بإشراف كوادر متخصصة ، ما يؤدي إلى تطوير ميولهم بشكل علمي و صحيح ، كما يعودهم على احترام الوقت و يعلمهم كيفية إدارته ، إضافة إلى اكتساب الكثير من العادات الصحيحة كالعمل ضمن فريق واحد ما ينضج لديهم روح التعاون و بالتالي ننتج شخصية ملتزمة مسؤولة منضبطة مبدعة . تعلم المهارات و التواصل الاجتماعي و تتابع د . شعبان مؤكدة أن أهمية النوادي الصيفية لا تقتصر على ملء أوقات الفراغ فقط ، كما أنها ليست ترفاً و نوعاً من البريستيج ، بل هي حاجة أساسية لاستكمال شخصية الأبناء من النواحي كافة ( المعرفية - الوجدانية - الأخلاقية - الحركية ) ، من خلال معرفة قواعد لعبة ما و أخلاقيات التعامل مع الآخرين و الانضباط لممارسة أي نشاط جماعي ، إضافة إلى أن انتماء الأبناء إلى دورات فنية من رسم و موسيقا و غناء يسهم بتنمية الحس الجمالي ما ينعكس على خياراتهم و تذوقهم لكل ما يحيط بهم ، كما يسهم بتعليمهم المهارات الاجتماعية و التواصل مع الآخرين ، و يقوي لديهم الانتماء و القدرة على التعبير عن الذات ، ما يزيد من ثقتهم بنفسهم و مدى فاعليتهم . في بعض الأحيان قد يحول العامل المادي دون إمكانية انتساب الأبناء للنوادي الصيفية ، ما العمل في هذه الحالة ؟ لا بد من أن تكون باحات المدارس مكاناً متاحاً لممارسة الأنشطة المختلفة التي تلبي رغبات و ميول طلابها خلال العطلة الصيفية و بأجور رمزية بسيطة ، حيث يتمكن الأطفال من التدريب على الألعاب الرياضية ، و من الممكن أن تعلن المدرسة عن دورات تدريبية تتضمن تنمية المواهب الموسيقية و الرياضية و الميول الأدبية و الفنية ، بإشراف كوادر متخصصة . لا تحولوا العطلة إلى عام دراسي !! و هنا يُطرح سؤال .. هل من الممكن استثمار العطلة الصيفية لتقوية الأبناء في بعض المواد الدراسية استعداداً للعام الدراسي القادم ؟ ترد د . شعبان : من الممكن أن نتعرف على نقاط القوة و الضعف لديهم لتلافي التقصير في العام التالي ، و استثمار العطلة الصيفية للتقوية في الرياضيات مثلاً أو اللغات الأجنبية ، و لكن أن يتم ذلك بوقت محدد إلى جانب الأنشطة الترفيهية ، لا أن تتحول العطلة إلى عام دراسي يفقد الاستمتاع ببعض الأنشطة المسلية ، لأن ذلك سيشعره بالملل و فقدان الشوق للعام الدراسي القادم و الإحساس باللامبالاة و عدم الفضول المعرفي للتعرف على المقررات الدراسية ، و مكانهم هو الأندية الترفيهية و المراكز التدريبية ، و ليس بالانخراط بميادين العمل أو الاستغراق بالدراسة ، و علينا كأهل أن نعمل ما بوسعنا ليتمتعوا بعطلتهم بطريقة مفيدة بالتخطيط المسبق بالاشتراك معهم ، فالعطلة لهم و علينا أن نشركهم بالاختيار . |
|