|
لوفيغارو يمكننا أن نطرح تساؤلاً هو التالي: هل بزغت خيوط الديمقراطية (الغربية) في سماء تلك البلدان، وهل تحقق آمال الغرب في تشكيل شرق أوسط جديد أم إن هذه الآمال سوف تتكسر وتتلاشى على أرض الواقع، كما يخيل للكثير من المراقبين الدولين؟ هل الديمقراطية خراب وتدمير وفوضى وهدم؟. ففي سورية الدولة السيادية «تتفشى الحركات الإرهابية تحت مسميات مختلفة لتعيث فيها دماراً وهدماً وقتلاً وخطفاً لمدنيين أبرياء بأعداد هائلة، واستنزافاً للأمن مع توقع صعود قوى إسلامية متطرفة في غضون الانتخابات التي تنتظرها هذه القوى وتهيء لها بأساليبها الوحشية المدعومة من حلفاء إقليمين ودوليين كثر. في «تونس ومصر» الأزمات السياسية والاقتصادية تزداد خطورة، تنامي عدم الاستقرار في العراق، شكوك مريعة تحوم حول مستقبل كل من الأردن ولبنان، تهديدات بشن حرب ضروس على إيران على خلفية برنامجها النووي.. وليخيم كذلك هذا المشهد المأساوي القاتم في أجواء دول أخرى بعيدة «كأفغانستان ومرتفعات شمال إفريقيا ومن ضمنها المنطقة الساحلية وجنوب السودان». في ليبيا يتنامى ويترسخ عدم الاستقرار، ومازالت القاعدة» تستثمر أعمالها الإرهابية في منطقة الساحل، ومامن أحد بوسعه التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في «أفغانستان» عقب انسحاب الولايات المتحدة وحليفها«الناتو» من أراضيها في العام المقبل.. وكأن الجنوح لإعادة تكرار الأخطاء نفسها متأصل في أذهاننا نحن الغربيون إذ خيل إلينا في بداية هبوب «الربيع الثوري» العربي بأن كفة المعايير الغربية في الديمقراطية والحرية والعدالة سوف ترجح على كفة الديكتاتورية والقسوة في أنظمة بعض الدول العربية ليعلمنا التاريخ على النقيض من ذلك بأن الأنظمة التي تُفرض على هذه الدول سوف تكون عقيمة الفائدة بل إن الوسيلة التي يستخدمها الغرب لذلك وهو هنا «الربيع الثوري» من شأنها وكما نلحظ جيداً تدمير بنيان الدول المستهدفة وفتح جبهة مسلحة بين القوات النظامية لهذه الدول والحركات الإرهابية الرابضة على أراضيها الأمر الذي يفضي بالضرورة إلى التأثير سلبا على السياسة القومية والخارجية على حد سواء ما من قوة منافسة مؤهلة وقادرة على تشكيل تنظيم أو نظام إقليمي جديد أو حتى امتلاك رؤية له في ظل هذه الفوضى المتفشية والتي تفضي بالضرورة إلى بروز تهديدات خطرة على الأمن والسلم الدوليين. فضلاً عن تنامي الفقر ونمو الكثافة السكانية والأحقاد التي تخلفها الانقسامات الاثنية والدينية والضغوطات الشديدة التي تجتاح العالم العربي مع بقاء بعض شعوبه كالأكراد والفلسطينيين دون وطن أصيل لهم نجد أن هذه البقعة الجغرافية المهمة تفتقد للاستقرار على حدودها المترامية والذي غرسته القوى الاستعمارية الغربية مثل بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى وعمدت إلى تغذيته باستمرار. يضاف إلى ذلك سعي بعض دول المنطقة كالعربية السعودية وقطر وإيران كذلك لتصير قوة إقليمية مايزيد من مفاقمة التوترات الموجودة أصلاً في رحاب العالم العربي برمته.. كل هذه التناقضات تتفجر معاً في أرض سورية وعلى ترابها لتشكل دراما إنسانية حقيقية وعليها يتفرج العالم دون حراك أو مبالاة الأمر الذي قد ينذر إلى مزيد من الهدم وإراقة الدماء واستنزاف الحياة بكل أشكالها في هذه المنطقة المهمة في الشرق. لن نتحدث عن تدخل عسكري في سورية يخشى معه حدوث مواجهات شرسة بين القوات النظامية السورية المدعومة من روسيا والصين وكذلك من إيران وحزب الله وتلك الإرهابية المتربصة في أراضيها وحينئذ ما من أحد بإمكانه ضمان عدم اشتعال حرب جديدة مع «اسرائيل» لتبقى الأخطار القائمة على أساس الأفعال وردودها هائلة و قاتمة.. الكارثة الإنسانية في «سورية» قد تزداد اتساعاً و عمقاً بازدياد الحركات المتطرفة و عنفها الفتاك الموجه برمته إلى تقويض أركان الدولة السورية و تقسيم أراضيها الموحدة إلى كانتونات ممزقة على أسس عرقية ودينية ومذهبية الأمر الذي يفضي بالطبع إلى بلقنة الشرق الأوسط وإطلاق العنان لانبثاق عمليات عنف جديدة لن تنجو منها، البتة الدول المجاورة مثل لبنان و العراق و الأردن ليعم الدمار والخراب في ربوعها لامحال. لا يحسن بنا أن نفقد الأمل بالجهود المبذولة من الوسطاء الدبلوماسين، و لكن، لنكن واقعين و نقول بأن فرص الأمل تتضاءل، مع ذلك، يوماً بعد آخر كما يبدو.. الشرق الأوسط عموماً في حالة غليان وإلى أن يحين تحقيق المشروع الغربي بنظام جديد لهذه المنطقة سوف تظل هذه البقعة غارقة في لجة خطرة لاقرار لها وسوف تتعمق لتجذب إليها كافة الدول المجاورة ومعها أوروبا والعالم بأسره- وهنا ماذا علينا أن نفعل؟! بقلم: يوشكا فيشر - مستشار الماني سابق |
|