|
الصفحة الأولى التي اطلقها من التزموا تشويه الاسلام وتجويف مبادئه متظاهرين بانهم يعملون لاقامة الحكم الاسلامي على انقاض «الحكم العلماني الكافر» برأيهم. لا يستطيع الغرب تقبل الهزيمة كما يبدو ولذلك حاول المراوغة والمناورة ثم راح يعمل بالتزامن على خطين: خط الحل السلمي للاحتفاظ به كحل احتياطي يلجأ اليه متى وجد انه الحل الوحيد الممكن وتكون العودة اليه طبيعية من غير ان يسجل عليه انكساراً أو هزيمة، وخط ميداني عسكري يتخذه محوراً للهجوم الرئيسي ،ويستمر في سلوكه حتى استنفاده كلياً. وقد جاءت زيارة اوباما للمنطقة مؤخراً في سياق هذه الاستراتيجية المزدوجة الخطوط مع التركيز على الخط الثاني فسعى لتحشيد القوى للانطلاق في هجوم كبير جديد تعول عليه اميركا لانقاذ المشروع الغربي برمته خاصة بعد ما تكشفت بوضوح عناصر النظام العالمي المرتقب، وهونظام لن تكون فيه لاميركا الكلمة العليا الوحيدة في قيادة العالم. ومن اجل الاعداد للهجوم على سورية لانقاذ العدوان في مرحلته الاخيرة عمل اوباما على اصلاح البيت الداخلي لجبهة المعتدين وصياغة المشهد منفذا ما يلي: 1) ترميم العلاقات مع نتنياهو في «اسرائيل» واعادة ضخ منشطات جديدة في شرايينها وتعزيز الثقة والحميمية بينهما بحيث يسقط اي مراهنة على نزاع او خلاف، ويبلور التحالف الاستراتيجي العميق بين اميركا واسرائيل ويدفع هذا التحالف الى مستوى غير مسبوق، مستوى جعل كل المتابعين يدركون مدى التماهي والاتحاد بين اميركا واسرائيل ما يجعل اي قوة اميركية هي قوة لاسرائيل، وان اسرائيل «كانت وستبقى اقوى دول المنطقة التي لن يتغلب عليها احد» على حد قول أوباما أولاً لأنها هي قوية بذاتها ثانياً لأن كل مصادر القوة الاميركية موضوعة بتصرفها. 2) ترميم العلاقات بين تركيا واسرائيل من اجل تحصين الجبهة الداخلية لحلفاء اميركا وتمكينهم من الانصراف بكل قواهم باتجاه المواجهة المرتقبة مع سورية في جولة المواجهة الحاسمة التي يحضر لها في الاشهر الثلاثة المقبلة بعد ان تم تأجيل انطلاق المفاوضات الاميركية الروسية بحثاً عن حل سلمي. فجاء اعتذار نتنياهو من أردوغان بمثابة فرصة للأخير ترفع معنوياته وتجعله يفاخر بها أمام الشعب التركي ليقول بأنه قادر على تحقيق ما يريد وبانه مستمر في سياسة توسيع الفضاء الاستراتيجي لتركيا ما يمكنه من الانخراط اكثر في الازمة السورية – رغم انه العامل الرئيسي فيها حتى الان – وهنا ينبغي الالتفات الى الدور المرتقب لتركيا في المستقبل القريب. 3) وضع حد للمواجهة بين تركيا والاكراد وصياغة علاقة جديدة ومتطورة بينهما علاقة تريح تركيا وتضع الاكراد معها في خندق واحد ضد سورية، علاقة توجه رسالة الى ايران ايضا مفادها بأن العامل الكردي لن يستمر في حالة اغفاءة وخمود بل سيكون رأس الحربة في تحريك الوضع الداخلي الايراني قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها في حزيران المقبل وعلى ضوء نتائج الهجوم على سورية. 4) استقالة حكومة لبنان التي يسميها اتباع اميركا «حكومة حزب الله» وكان واضحاً كيف استجاب رئيس هذه الحكومة نجيب ميقاتي للطلب الاميركي بسرعة واختلق ذريعة تافهة من اجل تبرير استقالة يعلم المتابعون انها جاءت استجابة للاوامر الاميركية وترمي لاخراج حزب الله من السلطة ودفع لبنان للانخراط اكثر في العدوان على سورية. ومع ان لبنان يؤدي الان دورا كبيرا خدمة لهذا العدوان- رغم ما يعلنه زورا من سياسة النأي بالنفس - فان اميركا تريد من لبنان في خطة الهجوم المقبل على سورية ان يلعب دوراً اكثر فاعلية دون ان يكون هناك عائق رسمي اوغير رسمي في الامر. 5) طمأنة النظام الأردني على مستقبله في حال انتصار العدوان على سورية ورشوته بمبلغ 200 مليون دولار لمتابعة دوره في الازمة السورية وزيادة انخراطه فيها. ويبدو أن اميركا لن تكتفي باتخاذ الاردن مكان تدريب وايواء للمسلحين والارهابيين بل انها تتطلع لدور اكبر يشارك فيه الجيش الاردني بشكل مباشر اوغير مباشر، امنيا وعسكريا، يذكر بدورها في الهجوم على العراق. 6) ارهاب الجسم الديني السوري لحمله على التراجع عن مواقفه الداعمة للعملية الدفاعية التي يقوم بها الجيش العربي السوري، وقد جاء اغتيال العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي مع جمع كبير من طلاب العلم الديني من المشايخ وغيرهم ، جاء في اطار عملية الترهيب تلك، في عملية ارهابية اراد مخططها ان يوصل رسالة بانه لا حصانة ولا قداسة ولا مراعاة لسن اوعلم اوشيبة اوطفولة في سبيل انجاح العدوان على سورية. 7) الضغط على العراق وتحديدا على الرئيس نوري المالكي لحمله على الالتحاق بجبهة العدوان من اجل اقفال الطوق حول سورية كون العراق وبعد المتغيرات التي تقدم ذكرها سيكون الثغرة الوحيدة برأي قيادة العدوان اوالمتنفس الاساسي الوحيد لسورية بعد الانقلاب اللبناني. ولهذا جاءت الزيارة - الغارة التي نفذها جون كيري بشكل مفاجئ على العراق بالامس لوضع رئيس وزرائها امام حل من اثنين: اما انخراطه في المشروع الاميركي واما اسقاطه كما اسقطت حكومة الميقاتي في لبنان. لقد بات جلياً بأن اميركا وعبر اوباما شخصيا تلقي بورقتها الكبرى وتلجأ الى سلاحها الثقيل لزجه في الحرب العدوانية ضد سورية وتقوم الآن بحشد المنطقة كلها من أجل الانتصار في هذه الجولة التي تراها الاخيرة، جولة اما ان تحقق الربح فيها اوان تذهب بشكل نهائي الى التفاوض حول حل سلمي يفسر هزيمة لها, وان السعي الاميركي الاخير ومن باب الجولة الرئاسية لاوباما يتجاوز ما كنا نقول به من سعي لاعداد الاوراق التفاوضية وتحشيدها، وينقلب الى محاولة ميدانية حاسمة وفقا للتقدير الاميركي. فهل سيكتب لاميركا النجاح في سعيها هذا؟ في الاجابة على هذا التساؤل نقول انه لوكانت سورية اليوم كعراق الامس، أو لو كان العالم اليوم كعالم 11 أيلول 2001، لكنا سارعنا للقول بان احتمالات نجاح اميركا في هجومها الذي تعد له،هي احتمالات مرتفعة جدا، لكن واقع اليوم مختلف كليا عما كان في الماضي، وان اميركا التي تحشد المنطقة مع ما يقترب من نصف العالم، تتناسى بان عوائق كبرى وكثيرة تمنعها من تحقيق النجاح المطلوب على اكثر من صعيد، وان كنا نحجم الان عن الخوض في تفاصيلها فاننا نكتفي بذكر عناوين ومواقف معلنة تتقاطع مع مستلزمات المعركة الدفاعية التي تديرها سورية ومعها حلفاؤها خاصة: 1) روسيا التي قال سفيرها في لبنان منذ ايام ان اسقاط النظام السوري اواسقاط سورية امر مستحيل، تقول روسيا هذا بعد ان اعلنت وبوضوح ان وجودها العسكري في المتوسط هو وجود استراتيجي لحماية قرارها ومصالحها الاستراتيجية. 2) ايران التي هددت وتوعدت على لسان قائدها ومرشدها الامام الخامنئي بانها ستسوي تل ابيب وحيفا بالارض ان حاولت اسرائيل الاعتداء عليها، وهوتهديد جاء رغم علم يقيني لدى ايران وكل متابع للمسألة الايرانية بأن أحداً بما في ذلك اسرائيل واميركا، لن يجرؤ على مهاجمة ايران، ورغم ذلك جاء هذا التهديد الذي فهم الخبراء خلفيته وربطوه بشكل وثيق بما يحضر الغرب ضد سورية. 3) حزب الله الذي بعد فهمه جيداً للدور الخبيث الذي يلعبه بعض المسؤولين في لبنان خدمة للمشروع الغربي وفي مقدمتهم نجيب الميقاتي، احجم عن التمسك بالحكومة ولم يمانع في سقوطها للتحرر من العبء الذي كانت تشكله عليه وبات الآن أكثر حرية وقدرة على خوض المعركة الدفاعية حيث يقتضي وقد كان التسريب الصحفي الأخير عن تواجد معين لرجال الحزب هنا اوهناك اول الغيث في السلوك الجديد. وعليه نقول، اذا كانت اميركا تتجاوز شرذمة ما يسمى معارضة سورية وتنافر مكوناتها وتساقط اوراقها بين استقالة هذا واعتراض ذاك وشتيمة ذينك وتستمر في حشد القوى لتزج بكل ما هومتاح لها في الميدان من اجل خوض معركتها الفاصلة ضد سورية فان القوى المدافعة عن سورية بدءا بالشعب والجيش العربي السوري، وصولا الى القوى الاقليمية والدولية الحليفة يبدوانها تتجاهل بان تلك القوى ترى في معركة سورية معركتها الدفاعية الذاتية، وان هذه القوى ليست في وضع يمكن العدوان من تحقيق اهدافه، ولذا فاننا نعتقد بان الاشهر الثلاثة المقبلة التي ستشهد التصعيد في المواجهة ستحمل الجواب الاكيد لاميركا، جواب نراه نصرا للمدافع رغم الكلفة والثمن الباهظ الذي يدفع من اجل هزيمة العدوان. *أستاذ جامعي وباحث استراتيجي |
|