تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هكذا ابتلعنا التضليل الإعلامي ضد سورية

عن موقع : Voltairenet
ترجمة
الأثنين 25-6-2012
ترجمة: دلال ابراهيم

بلغ مستوى التطور التقني لأجهزة التحكم الغربية حداً فاق قدرة معظمنا على الاستيعاب . وتبدو للوهلة الأولى أن مقاومة هذه التقنيات المتطورة هو طموح قلة قليلة .

ويرى الكاتب الإيطالي جيانكارلو سكوتوتشي أن الوقت حان لكي تنظم هذه القوى المقاومة صفوفها وتستخلص الدروس السياسية من قراءة واضحة لأحداث 11 أيلول , الحروب الإنسانية ونهاية الديمقراطية في الغرب .‏

ما كشف عنه الصحفي تيري ميسان حول الإعداد لعملية تضليل إعلامي عن سورية تزعم بانقلاب الأوضاع فيها لصالح الولايات المتحدة وحلفائها محتملة جداً . فهذه المعلومات تأتي من مصدر سليم وموثوق . حيث كان الصحفي ميسان الشخص الأول الذي كشف أن عناصر من الحكومة الأميركية تقف خلف هجمات 11 أيلول , كما وكان من بين الأوائل الذي عرى الثورات الملونة التي قامت في كل مكان استطاعت الولايات المتحدة تحريكها فيه , وكان الأول الذي وثق التلاعب والتضليل الإعلامي الذي دفع بشعوب الدول المرتهنة للولايات المتحدة (ومن بينهم ايطاليا ) إلى مباركة الاحتلال الجديد لليبيا باعتباره حرب تحرير من الاستبداد . والاعتراف الآخر لميسان هو أنه أعلن منذ البداية أن التحرك ضد حكومة الرئيس بشار الأسد هي عملية حيلة افتراضية احتضنتها وسائل الإعلام الغربية من صحف وتلفزيون , وكانت الأجهزة الإعلامية الإيطالية من أوائل الثمالة في هذا التضليل .‏

من خلال تحليه بحس سليم ومصداقية شخصية , اضطر الصحفي تيري ميسان إلى الهرب من فرنسا إلى لبنان خوفاً من تصفيته على يد الاستخبارات الفرنسية بالتعاون مع نظيرتها الأميركية . وكان سابقاً يدير من باريس ( شبكة فولتير ) العالمية المناهضة للإعلام الغربي.‏

ولا بد لليسار الثوري الإيطالي بسبب المصداقية التي يستحقها ميسان ولا سيما فيما يتعلق بعملية التضليل الواسعة المزمع تنفيذها في سورية طرح سؤالين :‏

الأول : هل من الممكن لشعب يتمتع بالسيادة أن يكون مغفلاً إلى درجة أن يصدق كل ما يقدمه ويعرضه أمامه التلفزيون ؟ وهل من الممكن خضوعه إلى إغراء وتحريض هذه الشاشة الفضية ( والأوراق المطبوعة التي تقلدها ) إلى درجة أن يصبح جاهزاً للتخلي أمام تلك الصور غير المعروفة عن كل ما ترسب في قناعاته خلال أعوام ويحل محلها وجهات نظر متلفزة وقراءات تلغي شخصيته ؟‏

السؤال الثاني : في حال كان الجواب على السؤال الأول بالإيجاب , هذا يعني أن ليس المزاج فحسب , وإنما إلى أي حد ترتبط القناعات العميقة والمفترض نضوجها ببضع ساعات من الجلوس أمام التلفزيون , كيف يمكننا التطلع إلى تفادي أن يتم إخضاعنا نحن الشيوعيين المقاومين لعملية تضليل إعلامي ضدنا ولا يقنع الشعب أن هناك عملية تصفية ضدنا؟‏

تكمن الإجابة على السؤال الأول في هذه العناوين الفرعية الثلاثة , للكتاب الأسود للديمقراطية في ايطاليا , والذي ينبغي أن يكتبه أحد يوماً ما .‏

بيرلسكوني‏

وصل للسياسة وتم انتخابه وحكم ويستمر في التشاركية في الحكم ( فهو جزء مهم من حكومة مونتي ) بشكل غير شرعي.حيث قانون الدولة يحظر على صاحب الامتيازات الحكومية تقديم أي تنازلات عامة , وأكثر من ذلك تنازلات تلفزيونية يقدمها للناخبين . وبيرلسكوني يمتلك ثلاث أكبر الوسائل الإعلامية الخاصة واحتفظ بهم حين وصوله إلى الحكومة وأضاف إليهم استخدام الأقنية التلفزيونية العامة . وكذلك مدد مجساته الخاصة الإعلامية نحو المئات من الأقنية التلفزيونية الصغيرة والمتوسطة الخاصة , من خلال ربطهم بجملة اتفاقيات تجارية ذات طابع استعماري . أليس هذا ضرباً من الانقلاب الإعلامي ؟ وأي حزب سياسي استطاع إثبات مقاومته ؟ بالتأكيد لا أحد . ولا حتى الحكومة التي تدعى اليسارية لم تجرأ على التنديد بصراع المصالح هذا ( بين بيرلسكوني الإمبراطور الإعلامي وبيرلسكوني السياسي ) وهذه تعتبر في حد ذاتها عملية سلب للديمقراطية الإيطالية .‏

أوروبا‏

مكونات الدولة هي ثلاثة : الأرض والسلطة التشريعية والذراع العسكري . وهذه جميعها تنازلت عنهم ايطاليا إلى دولة ضخمة تدعى الاتحاد الأوروبي , وإلى الناتو والولايات المتحدة . وفي ايطاليا , في مدينة افيانو , توجد أضخم قاعدة عسكرية وهي عبارة عن أراضٍ أميركية تحوي المئات من الصواريخ النووية التي لا يستطيع سوى الأميركي استخدامها . وفي فيتشنزا نصبت أول وحدة أمن أوروبية قيادتها فيها , وتخضع تلك فقط للمفوضية الأوروبية . في حين أن البرلمان الإيطالي يستطيع الاستمرار في إصدار القوانين , شريطة عدم تعارضها مع القوانين الصادرة عن المفوضية الأوروبية . والقوانين الأوروبية لا يتم سنها من قبل ما يسمى البرلمان الأوروبي , والذي لا يملك السلطة التشريعية , ولكن لديه فقط حق النقض المحدود على القوانين , المحصور سنها بالمفوضية الأوروبية , وهذه بدورها ليست تعبيراً عن البرلمان الأوروبي , وإنما تعبير عن أسياد الاقتصاد والحكومات الأوروبية . ومن يسمون ( نواب أوروبيون ) هم مجرد دمى في يد المفوضية . يستطيع وزراء الاقتصاد الإيطاليون والمصرف الإيطالي التبجح على شاشات التلفزة كما يريدون ويعلنون اتخاذ ما يمكن أن يخطر على البال من إجراءات وإصلاحات , ولكن عملياً لا قيمة لذلك , نظراً لأن السياسة الاقتصادية تستند على إدارة موارد الدفع والقدرة على صك العملات , في حين أن ايطاليا لا تصك ولو يورو واحداً دون إذن من البنك الأوروبي , الذراع المالي للمفوضية المطلقة الصلاحية .‏

وأضفى الدستور الأوروبي الجديد ( والذي أعيد تسميته مجازاً معاهدة الاتحاد الأوروبي ) الطابع الرسمي لنقل السلطات من الدولة الإيطالية إلى المفوضية الأوروبية . ولم يعد الشعب الإيطالي يملك السيادة على شيء , سوى اختياره من بين العشرات من المحطات التلفزيونية كافة موزعي العصيدة السامة .‏

والخلاصة هل اعترض أحد من بين الأحزاب الممثلة في البرلمان الإيطالي أو من بين أولئك الذين لم يصلوا إليه على هذا الانقلاب الأوروبي على الديمقراطية الأوروبية ؟ هل تجرأ أحد على الإدعاء أن هذا الدستور الأوروبي الذي ابتلع الدستور الإيطالي خضع إلى استفتاء ؟‏

الدستور الإيطالي (الساري المفعول قبل انتهاكه من قبل الدستور الأوروبي ) واضح وشفاف : حيث على الجيش الدفاع حصرياً عن الدولة الإيطالية . وهو مفهوم مقدس ومكرر منذ 70 عاماً . وفي العهد الجديد عملت الحكومات الإيطالية الموالية لأمريكا على بناء حاملة طائرات , والتي ليس الهدف منها حماية البلاد , وإنما حمل الطائرات والحروب إلى بلاد بعيدة , وكانت تلك الحكومات مدركة لانتهاك الدستور, وجاء دور الإعلام ليدس للناس المخدر بما فيه الكفاية .‏

والانقلاب الإعلامي الثالث وهو الحربي وصل بسلام , حيث وفي أعقاب أعوام من التقارير والأخبار الكاذبة والصور المضللة وتواطؤ ما يدعى أحزاب اليسار أدخلوا في قناعة الشعب الإيطالي أن يوغسلافيا هي موطن لإثنيات همجية التي تقتل بعضها , وفي حال لم نتدخل بينهم فإن عدوى ذلك سيصل حتى إلى إيطاليا . وعلى هذا النحو تجمع الإيطاليون أمام أخبار النظام ومنحوا ثقتهم إلى الحكومات المتعاقبة , ومن بينها حكومات اليسار ,وهكذا انطلقت إيطاليا في الحرب تحت راية برودي وماسيمو داليما.‏

ونتساءل هنا : هل شهدنا في مواجهة هذه البربرية الإعلامية والحربية أي صوت مقاوم لها يرتفع , سوى أصوات قلة من المفكرين لا وزن وتأثير لهم ؟ منذ 90 عاماً استعاد الشعب الإيطالي على تصديق كل ما يعرض ويتلوه عليه , شريطة أن تكون تلك الصور وهذه القراءات ممتعة وبسيطة . ولهذه الأسباب سوف يبتلع الإيطاليون رواية الأحداث السورية . أما عن الإجابة على السؤال الثاني ( ماذا يتوجب علينا نحن الشيوعيين عمله لمواجهة هذه الموجة البربرية ؟ ) فالضرورة تحتم علينا تنظيم أنفسنا . وفي حين تبلغ أعدادنا بالآلاف نحن أولئك الذين نقرأ صفحات الويب للكاتب لوزوردو وميسان , فإن الملايين من المشاهدين يرضعون من رواية جنود الجيش السوري يتخذ الأطفال دروعاً بشرية . في الإجمال : لنأخذ بيان الجبهة السورية , من أجل أن يطالب أحد الشيوعيين المقاومين بضرورة تنظيم الحزب , وإلا فإنه وعما قريب , عندما سيطلق الرئيس اوباما حربه على الانترنيت ( الذي سيسمح له بمراقبة والتلاعب بكل ما يحتويه الانترنيت وموجات البث التلفزيونية) فإننا سوف نضطر إلى تمرير كتاباتنا باليد , هذا في حال لم نبتلعها .‏

 بقلم : الكاتب الإيطالي جيانكارلو سكوتوتشي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية