|
دائرة الثقافة
لان الثقافة هي الوعاء والبوتقة العليا التي تنصهر فيها كل قدرات ومعطيات المجتمع أي مجتمع، وما يظهر من قيم ودلالات وبنى فكرية في مسيرة تطوره العلمي والثقافي لابد لها من هوية او ناظم يحملها ويوجهها، أي اهداف يسعى اليها والا كان التطور بغير اهدافة لامعنى له، ولايخدم رسالة أي مجتمع. من هذا الاطار ياتي الحديث عن الامن الثقافي ومفهومه وهو جزء لايتجزأ من الحديث عن الهوية الثقافية التي نريد ان نصونها ونعمل على تطورها واغنائها بكل ما هو جديد واصيل. لاننشد الى الماضي بسلاسل صدات ولا نتعلق بوهم القادم دون الاخذ بما في الحياة. ولذلك وحسب مايراه عالم الاجتماع السوري حليم بركات فان الهوية مفهوم منفتح غير منغلق قابل للتطور والغنى بكل ما يحيط به، مع الحفاظ على الجوهر والخصوصية التي تمثله. واليوم اذ نقف عند بعض محطات مفهوم الامن الثقافي العربي فانما نحن نتحدث عن واقع صار مستباحا ولم يعد له هذه الخصوصية، ولا الضوابط التي تجعل منه فكرا متميزا له اصالته وله تطلعاته، بل نحن في حال تكرار واجترا ر لكل ما يحيط بنا وهذا يستدعي الحديث عن معنى هذا المصطلح والذي يقودنا وماذا علينا ان نفعل. الاستاذ الدكتور سميرابراهيم حسن الاستاذ في جامعة دمشق يتوقف عند هذا المفهوم في كتابه الهام جدا والذي صدر عن دار الفكر بدمشق عام 2007 وجاء تحت عنوان: الثقافة والمجتمع. يرى الاستاذ حسن انه يمكن تعريف مفهوم الامن الثقافي على الشكل التالي:هو قدرة المجتمع على صون خصائصه المميزة رغم الظروف المتغيرة والتهديدات الثقافية الحقيقية او المفترضة، وذلك يشمل اللغة والذاكرة الجماعية والهوية والممارسات الوطنية او الدينية مع قدرة المجتمع على انتقاء واجازة بعض التغيرات المقبولة. وهذا يعني انه يتضمن مفهوم الدفاع من جهة ومعنى الحماية من جهة اخرى. والسؤال هنا بصدد الامن الثقافي، الدفاع عن أي شيء ؟ وما الذي يتطلب الدفاع عنه في الثقافة العربية يتساءل د. حسن والحماية من ماذا ؟ أي ما الذي يتوجب الحماية منه في ما يهدد الثقافة العربية ؟ ثم كيف يمكن الدفاع والحماية؟ ويضيف حسن قائلا: على سبيل المثال بتاثير الاعلام الغربي المتدفق تنمو الاتجاهات المؤيدة للمساواة بين الجنسين كما تنمو الاتجاهات المؤيدة للممارسات ا لسياسية في الحرية المشاركة والديمقراطية وحقوق الانسان فهل يدعونا مطلب الامن الثقافي الى الحماية من ذلك ام تعزيزه وترسيخه وكيف نقوم بذلك هل امر سلبي ام ايجابي؟ ترى الايحق لنا ان نسال الاستاذ سمير حسن الان بعد خمسة اعوام على صدور كتابه هذا وبناء على ما رايناه من مفاهيم تحدث الان عنها هو ومع ذلك اثبتت انها اختراق ثقافي، كما هو مفهوم المساواة الموجود اصلا لدينا، ومفهوم حقوق الانسان وغيره الم تكن هذه المفاهيم حصان طروادة الى ما حصل الان وما نراه ؟ اليس هذا اختراقا ثقافيا كان علينا ان نعمل على مواجهته بوسائلنا وادواتنا طبعا مع احترام كل المفاهيم التي طرحها ؟ ونعود الى تساؤلاته التي يكملها بقوله: ام ان علينا ان نقوم بالعكس بحماية ثقافتنا من الدعوات المحلية التي ترفض ذلك وتحاصره ؟ سنختلف دون ريب، حيثيات وتفاصيل ودوافع الاسئلة والاجوبة وتحديد معايير ما يفترض الحماية. لكن الحديث عن الامن الثقافي عموما في ادبياتنا العربية، عدا عن حساسية مفهوم الامن وشجونه غير السارة هو امر مشكل، يوحي دائما بالانطلاق من مفهوم للهوية الثقافية وللخصوصية ينزع للنقاء فيرفض الخارج باعتباره شرا وغزوا وتهديدا معتقدا بهوية ثابتة ومتعاليةوخالدة وغير قابلة للتغيير او يفترض ان تصان ضد التغيير فهي تتعلق بذات تاريخية لا تتبدل، والهوية بهذا المعنى هي شعور مرضي ( من المرض) يؤكد الذات سلبا برفض الاخر واعادة بناء الهوية من عناصر الماضي خشية على النقاء والطهارة المفعمة بعبق التاريخ الذي مضى. ما الحل ؟ ثمة طروحات كثيرة هي موضع النقاش لكن الملاحظ ان الهم الثقافي وامنه غائب عن معظم البلدان العربية ولايعنيها الا قليلا ربما في المناسبات مع ان بعضها امن بنية تحتية هامة لحراك ثقافي حقيقي لكنه لم يحدث، وما نراه الان ليس الا اختراقا ثقافيا لكل منظومة القيم العربية ولسنا متمسكين بمنظومة بالية ابدا لا بل على العكس نريد منظومة قيم حضارية بمعناها الانساني لا التقني وعلى هذا الاساس فان الامن الثقافي العربي مخترق لغويا وابداعيا وفكريا وانعكس هذاعلى كل مناحي الحياة والتعامل في الاتجاهات كافة، ولم يعد من اللائق الحديث عن امن ثقافي عربي، لابل علينا ان نتحدث عن ضرورة اعادة ترميم مفاهيمنا التي تهرات وتصدعت ولا يهمنا الكلام النظري هنا وهناك، وعمل كهذا لا يتاتى من فعل ثقافي وحيدا لا بل بتضافر كل مقومات المجتمع وادواته ووسائله وتطلعاته. |
|