تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رأي... «أنا زلزلـة الدنيا وخلخلة العقـول» فـ «تنبَّأ أيها الأعمى»

ثقافة
الاثنين 28-10-2019
هفاف ميهوب

يرى الشاعر السوري العالمي «علي أحمد سعيد إسبر» الشهير بـ «أدونيس» وصاحب المقولة الشهيرة: «أنا زلزلة الدنيا وخلخلة العقول» بأن أسباب انكسارنا وتراجع ثقافتنا، يعود إلى كون مثقَّفنا العربي:

‏‏

«المثقف العربي لا يقوم بدوره النقدي الخلاق، وهو عنصر تمويهي لكلِّ ما هو أساسي في المجتمع العربي، ولكي يكون للمثقف دور في المجتمع، يجب أن يكون المجتمع نفسه مؤمناً بأن الثقافة تشكل جزءاً عضوياً وأساسياً من حياته، بحيث يكون المثقفون المتفاوتون والمختلفون والمتناقضون في آرائهم، وحدة لا تتجزأ على الصعيد الاجتماعي. بمعنى أنهم ينتمون إلى نسيج اجتماعي واحد مهما اختلفوا في الرأي».‏‏

هذا ما يقوله شاعرٌ احترافيٌّ - مهني.. شاعرٌ معروف بعدم انحياز خطابه أو تراجعه أو مناورته أو مراوغته، أو حتى تنازله عن دعوته إلى بناءٍ ثقافي يساهم في تقليب المتكلّس من «الذهنية العربية السائدة» والانفتاح على الأفق ووعيه بثقافته.‏‏

بالتأكيد هي دعوة للمثقف غيرِ الموظف، أو بالأحرى الذي من الصعب امتلاكه، أو التأثير على آرائه ومواقفه.. دعوةُ شاعرٍ متمرِّسٍ في قراءة الماضي الذي ما كشف فيه عن الغائب والناقص، إلا ليُنطق الصامت والجميل من معارفه.‏‏

إنه ماأراد إنطاقه لدى شعوبٍ، سعى لبناءِ مدنٍ ثقافية-فكرية تضيءُ بها ولها. المدنُ التي وضع أساساتها بعد دراسة «الثابت والمتحول» من الأفكار التي عاد إلى موروثها القديم فوجد بأن علينا قراءته بعينٍ نقدية، ومن أجلِ أن نتمكَّن من إنتاج معرفة بنَّاءة وأخلاقية.‏‏

كلّ هذا، أثار زوابع من النقد أو التأييد الذي جعل مدينته هذه، تقع في إشكاليات عزلها عما تناولته منّ الثابت المكبوت لدى الأوائل، مانحاً لها الاتجاهات التي تتَّسع بأضواء روحها لتتحرَّر من عوائقِ كلِّ ثابتٍ أو متحول..‏‏

نعم، هذا ماسعى لإنطاقه، وعبرَ أسس وقواعد واتجاهات فكرية وبنيوية. الأسس والقواعد والاتجاهات التي بإمكانها، وبعد أن تتخطى المعايير الكابتة، استدعاء كلّ مقومات الأصالة والجذور والتراث والانبعاث والهوية والخصوصية.‏‏

باختصار.. هي المدينة التي يحلم بها، كل عاقل- إنساني.. كل من يريد التحرر من واقعه الموبوء بالجهل الأخلاقي والثقافي.. المدينة التي لا يتوقف حارس أنوارها، عن الإشارة لكلّ من هو خارج أسوارها: «تنبأ أيها الأعمى».. ينبِّهه بفلسفةٍ ترى:‏‏

«زمنٌ يتآكلُ ويحدودب، وما أشقى الإنسان الذي لا يرى أمامه كلَّما تقدَّم، إلا القديم.. أظنُّ أن السَّماء آخذةٌ في الخروج من هيكلها المغلق.. أظنُّ أن القيد الصغير المسمى عقلاً، يكاد أن ينكسر..‏‏

عينٌ بلورية تقرأ لمن يريد أن يصغي، وقدمٌ معدنية تمشي بكَ.. تمشي عنكَ.. تأمرك الحاسبة الإلكترونية.. يتزرَّر جسد العالم، وتحدسُ الأزرار بما يأتي، في أرضٍ تسيِّرها نارُ الإله.‏‏

المكانُ بخارُ نفايات.. أشباحٌ تطلعُ من تجاعيد التراب.. صحراء غاز للغزو.. تمتزج الأدمغة بالنشارة.. تختلط الأجساد بالورق المقوَّى - في أوبئةٍ تتفكَّك، تتلاحم.. انظروا واصغوا: أفي وجوهكم تسبح هذه السلاحف؟!.. أفي رؤوسكم تدوم تلك السراطين؟!.‏‏

«ما بال العقل الذي يسخر من الأساطير، ومما تقوله عن حرب الآلهة فيما بينها في السماء، يجعل من البشر أنفسهم آلهة على الأرض، يدمرونها، ويملؤونها حرباً باسم السماء؟!!»..‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية