تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العراق ..بين التصريحات والمخططات

شؤون سياسية
الأربعاء 28-1-2009م
غالب حسن محمد

غداة دخول الرئيس الجديد أوباما إلى البيت الأبيض كتب المؤرخ والصحافي الأميركي «جاريث بورتر» عبر صفحات جريدة اللومونددبلوماتيك الفرنسية هل أوباما لا يزال سجين صقور البيت الأبيض والولايات المتحدة؟

ربما كان الجواب يتعلق بالتسريبات الإعلامية التي تؤكد قلق وزارة الدفاع الأميركية من الموعد المتعلق بالانسحاب من العراق وفقاً لما تم التوصل إليه في الاتفاقية الأمنية الأخيرة بين واشنطن وبغداد وأنها اقترحت خطة انسحاب بطيئة جداً تتحرر من قيود الاتفاقية المذكورة.‏

لقد تزامنت هذه الأنباء مع المعلومات التي تشير إلى أن القوات المسلحة الأميركية تخطط لإرسال ما بين 20 إلى ثلاثين ألف جندي إضافي إلى أفغانستان بحلول الصيف المقبل، الأمر الذي حظي بمباركة مسبقة من سيد البيت الأبيض الجديد، كما أن بوش كان قد بحث في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض وبمساعدة البنتاغون في كيفية الالتفاف على الاتفاق الذي وقعه بشأن الانسحاب الكلي للجيش الأميركي من العراق وبذلك تذهب الوعود الانتخابية للرئيس الجديد أدراج الرياح.‏

من المؤكد أن هناك سيناريو يدور في الأفق المؤامراتي الأميركي المعهود، وفيه ستستغل هذه الخطة ثغرة في الاتفاقية الأمنية تتمثل في عدم تحديد عدد الجنود الذين سيتم سحبهم وبذلك يكون من غير المعروف عدد القوات التي سيخلفها الاحتلال في العراق بشكل شبه ثابت ولزمن قد يصل إلى عشر سنوات في أقل التقديرات تحت اسم المستشارين والتدريب وعناصر الدعم للحكومة العراقية، من أين جاءت فكرة التحايل هذه؟‏

بحسب مايتواتر في واشنطن فقد كان وراءها نخبة بارزة من المستشارين من أصحاب العلاقة المباشرة بـ «مشروع القرن الأميركي الجديد» والذين عمدوا إلى تفعيل تأويلات جديدة تفكك القيود التي فرضتها الاتفاقية الأمنية آنفة الذكر، وهو الأمر الذي تبناه البنتاغون وعلى رأس النخبة العسكرية المساندة لتوجهات الخبراء الجدد إن جاز التعبير يأتي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميرال مايك مولين وقائد القيادة الوسطى الجنرال ديفيد اويرنو هل يعني ذلك أن المشهد يحمل ملامح انقلابية مستترة ضد توجه الرئيس أوباما الذي خيل إليه ذات مرة من نهار تموز 2008 الماضي أنه الرجل الذي يبلغ الجنرالات بمهامهم وليس العكس.‏

واقع الأمر يشي بذلك ولاسيما أن هؤلاء القادة قد أبدوا بصراحة عدم ارتياحهم للاتفاقية الأمنية التي وقعها الرئيس جورج بوش مع الحكومة العراقية، ولذلك صاغوا خطة انسحاب بطيئة جدا،ً إن الأمر يقتضي محاولة النظر من خلال رؤية أوسع لاشكالية الاتفاقية الأمنية ذاتها يرى البرفسور كال روشيليا الاستاذ المحاضر بجامعة كاليفورنيا ومدير مركز رونالد دبليو بيركلي للعلاقات الدولية.‏

إن الاتفاقية تحرم الأميركيين من نحو 200 ألف جندي أميركي من جنود خدمات الأمن الخاصة والذين كانوا حتى وقت قريب يتمتعون بحصانة كاملة ضد أي اتهامات قد تعترضهم وتعرضهم لمحاكمات على أفعالهم الناشئة عن أداء مهامهم وأعمالهم الأمنية.‏

غير أن السطور السابقة لا تعكس حقيقة النوايا العسكرية الأميركية التي تسعى للتضحية بهؤلاء المرتزقة كأكباش فداء دونما لتحافظ على جنودها الحقيقيين دونما أدنى ودونما أي اختزال لمهمتهم الأساسة ولهذا فإن الخطط الخفية يكشف عنها تباعاً هل من جديد؟ في هذه الأوقات يأتي دور نائب الرئيس جوزيف بايدن ورفاقه الداعين لحل تقسيم الواحد، كمقترح يسمح بإقامة عدد من القواعد العسكرية الدائمة من جهة واستثمار الثروة النفطية من جهة أخرى بأقل ما يمكن من الخسائر.‏

في السابع من تشرين الثاني نقلت مجلة تايم الأميركية ما قاله القائد الجديد للقوات الأميركية في العراق الجنرال رياموند أويرنو الذي أكد أن الانسحاب يجب أن يتم ببطء وبصورة اختيارية وبطريقة تسمح لنا بعدم الخسارة للمكاسب التي حققناها.‏

نستطيع أن نقول :إن ملف العراق قد انتقل سلفاً من البيت الأبيض إلى البنتاغون، لقد قال البعض إن أميركا ذهبت إلىالعراق من أجل النفط وذهب نفر للتأكيد على أن الأمر كله كان لمصلحة إسرائيل وأكد آخرون أن السياسات الداخلية الأميركية ومنح بوش فرصة رئاسية ثانية هو السبب وربما تكون جميعها صحيحة.‏

وهذا يدفعنا إلى سؤال مهم لماذا لا تبدو الإدارة الأميركية مهتمة باستراتيجية خروج من العراق؟ والجواب لأن الأميركيين لن يرحلوا بعد غزو العراق وهناك ستقيم الولايات المتحدة قواعد عسكرية دائمة.‏

هل تبدت هشاشة النظام الديمقراطي فيما يتعلق بشؤون الدفاع في مواجهة النفوذ المهيمن للعسكريين وحلفائهم عندما يتوحدون علىفرض وجهات نظرهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية