تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الولادة على الطريقة الأميركية

شؤون سياسية
الأحد 6/4/2008
ديب علي حسن

الرئيس جورج بوش قال في أحد خطاباته:إننا مكلفون برسالة إلهية علينا أن نقوم أو نؤديها على أكمل وجه, واذا كان ذهب إلى أبعد من ذلك واعتبر أنه ينفذ إرادة إلهية في حروبه, فإن هذا يعود إلى جذور التأسيس وإلى ثقافة ومعتقدات صارت ايديولوجيا مع مرور الزمن, فالآباء المؤسسون الذين زرعوا الفكرة وطورها من أتى بعدهم صار الآن ينظر اليهم وكأنهم قديسون.

وعلى هذا الأساس يعتبر الدارسون لتاريخ الغزو الأميركي أو لنقل الأبيض أو لتأسيس الولايات المتحدة يعتبرون أميركا أمة القطيعة مع الماضي, وطبقاً لهذا التفكير عمل الغزاة عمل المؤسسين, اغتالوا, حرقوا, قتلوا, نشروا الرعب اينما كان آمنوا بالأرض الخالية من أي هندي أحمر... ومن يؤمن أنه ابن اللحظة وأن الماضي الذي يراه يجب ألا يبقى حاضراً أو مستقبلاً من يفعل ذلك يقدم البديل, الاستراتيجية البديلة هي الولادة الجديدة وعلى هذا الأساس, فالأميركيون وحسب الايديولوجيا التي بنيت على أساس تقليدي هم الذين يبعثون الحياة من جديد في العالم وعلى عاتقهم تقع مسؤولية (ولادة كل شيء) على مسؤوليتهم إعادة صياغة العالم, وصهره في بوتقة أفكارهم ومعتقداتهم وتشكيله حسب ما يرونه مناسباً, ومنذ أن كان غزوهم للعالم الجديد وإبادتهم بدأت فكرة الولادة الجديدة التي يستخدمها المسؤولون الأميركيون ليست وليدة اللحظة, ولن تنتهي بين ليلة وضحاها, وإذا كنا لم نعد نسمعها منذ أيام الرئيس الأميركي (ريغان) فإنها اليوم تعود بزخم أقوى, ولأن تياراً متشدداً بين المحافظين الجدد يعتقد أن (الله حقق لهم ما يريدون) وعليهم ألا يتخلوا عن هذه الإرادة ولهذا نرى الحج الأميركي إلى (إسرائيل) والاندفاع سريعاً وبعيداً في إطلاق المشاريع الداعمة والتصريحات التي تكشف المزيد من الخفايا والنوايا.‏

ولادة الموت‏

على الطريقة الأميركية ولدت دول وشعوب وحسب الهندي الأحمر الذي قال واصفاً مجازرهم: ما أغزر دموع هؤلاء فوق جثث ضحاياهم فإن الموت هو الخطوة الأولى لولادة المشاريع الأميركية? فمند أكثر من 500 عام والعالم يشهد هذا النوع من الولادات الناجحة حيناً والعسيرة أحياناً,ولد الهنود الحمر ولم يبق من ولادتهم إلا ذكريات المجازر, وفي فيتنام وغيرها كانت الولادات أشلاء وموتاً وأرضاً محروقة, ومع تطور الفكر (الجراحي الأميركي) وقدرتهم على توسيع دائرة العمل لتشمل العالم كله, فإن طرائق الولادة ازدادت جاذبية وسوّقت عالمياً بالمزيد من الدبلوماسية المدعومة بالقوة, وحسب ما يذهب إليه نعوم تشومسكي فإن الولادة الآن صارت إنسانية بحسب ما يراه الأميركيون, يرسلون إليك الطائرات والبوارج, يقصفون ويقتلون ويدمرون يلقون إليك من القاذفات العملاقة القنابل والصواريخ وربطة الخبز وبعض المعلبات وأنت حرّ في أن تأخذ ما يصل اليك أولاً, وبالتأكيد ستكون الولادة ما رأيناه وشاهدناه في افغانستان والعراق ولبنان وفلسطين في افغانستان كانت الولادة مزيداً من الفقر والتهجير والقتل والمشهد الأفغاني ليس بأحسن أحواله على الرغم من محاولة الولايات المتحدة إشراك (مولّدين) آخرين في العملية وفي العراق كانت الولادات أشد يسراً على الأميركيين لأن الكنوز الحضارية دمرت تحت جنازير دباباتهم, ولأن قاذفات قنابلهم تحصد المدنيين والولادة بترولاً ونهباً وأرض خراب ومع ذلك فإن الرئيس الأميركي لا يكف عن التبشير بجمال الوليد الذي ينهض من بين الركام, فالدم حسب بوش -يبشر بالقادم وكانت من قبله كونداليزا رايس بشرتنا بولادة (الشرق الأوسط) الجديد حين استباحت (إسرائيل) لبنان وأعلنت رايس أن الولادة قد بدأت و(الشرق الأوسط) الجديد يطل برأسه.‏

وحين ينقلب السحر على الساحر, تأتي الأحابيل الجديدة, (إسرائيل) تنفذ الولادة على طريقتها مع رفض علني وموافقة ضمنية من رايس, ولادة مع كل زيارة تقوم بها رايس إلى المنطقة, ولادة آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس والضفة, هي ولادة بأيد (إسرائيلية) وتمويل أميركي وصمت عالمي ترى في الجولات المقبلة ولا ندري كم مرة ستجول رايس فيما تبقى لها.. أي نوع من الولادات سنرى وعلى من تقع مسؤولية التبشير بالوليد القادم على الطريقةالأميركية.. سؤال في جعبة الأيام وسلسلة الجراحات الأميركية تكمن الإجابة عليه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية