|
شؤون سياسية ومراجعة مجمل السياسات العسكرية والأمنية الفرنسية في الخارج, والمسألة تتعلق بإرسال قوات فرنسية جديدة للقتال في المناطق الشرقية المحاذية للحدود الباكستانية, أين تتمركز القوة الدولية للمساعدة في إحلال الأمن (ايساف) التي يقودها حلف شمال الأطلسي, والتي تقاتل الجهاديين السلفيين من تنظيم القاعدة وقوات حركة طالبان.وخلال زيارة الرئيس ساركوزي لبريطانيا الأسبوع الماضي, طرح في الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان البريطاني زيادة عدد القوات الفرنسية العاملة في أفغانستان بمعدل يقارب 1000 عسكري, ليرتفع عديد القوات الفرنسية إلى أكثر من 2500 ينتشرون في مسرح العمليات في أفغانستان وفي قاعدة دوشنبي في طاجكستان, وقوات الإنزال على ظهور حاملات الطائرات في إطار التفاهمات السابقة, ومع ذلك تبقى فرنسا في مرتبة بعيدة وراء غالبية الدول الأوروبية الكبرى, وكان ساركوزي سوغ قراره هذا بضرورة مساعدة السلطات الأفغانية على مواجهة الإرهاب والحؤول دون سقوط البلاد مجدداً في قبضة (طالبان). وحسب تصريحات صدرت عن جان كلود ماليه رئيس الفريق المكلف بهذه المهمة, فإن طموح الرئيس ليس أقل من (وضع عقيدة جديدة) للأمن والدفاع, وفي هذا السياق جاء إعلانه من لندن خلال زيارته الرسمية لبريطانيا, عن اتجاه فرنسا للعودة إلى الهيئات العسكرية المندمجة للحلف الأطلسي التي انسحبت منها سنة 1966 وزيادة مساهمتها العسكرية في أفغانستان. قرار الرئيس ساركوزي هذا في لندن, جعل أفغانستان تظهر مجدداً على المشهد السياسي الفرنسي, ولا سيما داخل أروقة البرلمان الفرنسي, حيث نددت المعارضة الفرنسية المتكونة من الاشتراكيين والشيوعيين والخضر, بقرار ساركوزي هذا, إذ قال السيد فرانسوا هولاند السكرتير الأول للحزب الاشتراكي حول تعزيز الوجود العسكري الفرنسي في أفغانستان بأنه خطأ, مادمنا لا نعرف ما أهداف هذا الحضور, مضيفاً: نحن الآن تحولنا إلى جيش احتلال. فقد استعجلت المعارضة طرح القضية للمناقشة والتصويت عليها في البرلمان, قبل إقرارها في قمة الأطلسي في بوخارست التي انعقدت أيام 2 و 4 نيسان الجاري, رغم صعوبة ذلك من الناحية العملية, نظراً لسيطرة أكثرية اليمين التقليدي على البرلمان, وكان الرئيس ساركوزي شعوراً منه بالاستياء العام من سياسته هذه وافق على تنظيم جلسة في البرلمان حول موضوع إرسال قوات فرنسية إضافية لأفغانستان, وفقاً للتقليد المتبع في فرنسا, الذي يقضي بأن يناقش النواب أي قرار بإرسال قوات إلى الخارج. ويعتبر الخبراء الغربيون أن قرار ساركوزي بإرسال قوات إضافية لأفغانستان يعني أن فرنسا لم تعد تقف على مسافة من الوضع في أفغانستان, من خلال الاحتفاظ بطياريها بعيداً عن الميدان, بل أصبحت الآن في خضم العملية, كما تشكل الخطوة أيضاً إجابة فرنسية على الطلب الأميركي بحث الحلفاء الأوروبيين على الانخراط أكثر من المسرح الأفغاني, والمغزى واضح من وراء ذلك, فالإدارة الأميركية التي منيت بهزيمة ماحقة في العراق, تبحث عن انتصار يحفظ لها بعض ماء الوجه في أفغانستان, قبل الانتخابات الرئاسية في خريف السنة المقبلة. وينبع رفض المعارضة, ولاسيما الاشتراكية منها من الأمور التالية: أولاً: إن الاشتراكيين يرفضون نشر قوات إضافية في أفغانستان, لأنهم لا يريدون لفرنسا أن تتورط في (المستنقع الأفغاني) نظراً للإخفاق الكبير الذي منيت به العملية السياسية والعسكرية, والثمن الباهظ في الأرواح والماديات, وسيطرة حركة طالبان على قرابة 70 في المئة من التراب الأفغاني, ومهما كانت مسوغات ودوافع ساركوزي, فإن الأمر يشكل نقطة تحول في سياسات فرنسا, وليست المعارضة الاشتراكية فقط هي التي ترفض نشر قوات فرنسية في أفغانستان, بل إن قيادة الأركان الفرنسية تعتبر أنه لا مصلحة لفرنسا بالتورط أكثر على جبهة خاسرة. ثانياً: في محاولة لاستيعاب رفض المعارضة السياسية للانخراط الفرنسي مع الولايات المتحدة في المستنقع الأفغاني, رد الرئيس ساركوزي بأن نشر القوات الفرنسية سيتم في الغرب, لأن الجنود سوف يكونون هناك أقل تعرضاً للنيران, وهناك جملة من الأسباب دفعت فرنسا لاختيار الغرب, وأهمها أن عمليات القوات الدولية محدودة, وهناك سبب إضافي وهو أن الفرنسيين يعرفون هذه المنطقة وينتشرون فيها منذ سنة ,2003 وأوضحت قيادة الأركان الفرنسية أنها تفضل منطقة الغرب لأسباب تتعلق بالترابط المنطقي والفعالية, إذ سيكون من السهل تموين الآلاف من الجنود من كابول. ثالثاً: ترفض المعارضة السياسية الفرنسية عودة فرنسا مجدداً إلى الهيئات العسكرية المندمجة للحلف الأطلسي, التي خرجت منها عام 1966 في عهد الجنرال ديغول إثر خلافه مع الرئيس الأميركي آنذاك جونسون, حيث اعتبر ديغول يومها أن الولايات المتحدة تستخدم الحلف أداة عسكرية لتحقيق أهدافها في العالم. وعلى العموم لقد تعزز قرار ساركوزي بالعودة إلى الهيئات العسكرية المندمجة, بوجود تيار في الأوساط العسكرية الفرنسية يضغط في اتجاه أن تحتل فرنسا موقعاً داخل الأطلسي يناسب مكانتها, وحجة هؤلاء تنطلق من مسوغات منطقية, ترى أنه ليست هنالك أسباب تحول دون تولي المسؤولية في هرم القيادة العسكرية, ثم إن عودة فرنسا إلى الهيئات العسكرية في الأطلسي ليس جديداً, بل هو مطروح منذ عدة سنوات, ومن المعروف أن فرنسا تساهم مساهمة تامة في حياة الأطلسي, ولكنها منذ قرار الانسحاب من الحلف, لم تعد ممثلة في هيئتين أساسيتين: لجنة الخطط الدفاعية, ومجموعة الخطط النووية, وقد تم النظر إلى هذا الغياب من طرف أغلبية الأوساط الدبلوماسية والعسكرية الفرنسية على أنه أمر عبثي, ما دامت فرنسا حاضرة بقوة داخل الحلف, على صعيد الإسهام في العمليات العسكرية واللوجستية والتمويل. وترى أوساط مطلعة في باريس أنه في حال قرر ساركوزي تعزيز العلاقات أكثر فأكثر مع الولايات المتحدة, فإن الأطلسي يشكل ممراً أساسياً, إلا أنهم يعتقدون أن التوافق لن يكون مجانياً,, وهناك من يخمن أن الثمن ربما كان لعب دور أساسي, مثل تولي مسؤولية قيادة المنطقة الجنوبية في الحلف, ولكن باريس على الأرجح سوف تترك أمر التفاوض بصدد هذه القضية مع الإدارة الأميركية القادمة. < كاتب تونسي |
|