تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أميركا .. امبراطورية السراب!!

لوموند
ترجمة
الأثنين 13-8-2012
ترجمة : سهيلة حمامة

مع صعود الخصم الصيني سلّم الارتقاء والنمو الاقتصادي بدأت الشكوك على تنوعها وكثرتها تحوم في أجواء بلاد العمّ سام لتسرق طمأنينة أهلها وقادتها ،

وليسارع زينغي بريجنسكي وروبرت كاغان، كل بمفرده ،للتلطيف من حرقة هذه الشكوك عندما حاولا دحض الفكرة القائلة في دراسة نشرت في «نيويورك تايمز» بأن الولايات المتحدة تخطو تدريجياً نحو الهاوية في الوقت نفسه الذي يتفق فيه هذان الخبيران اللامعان في المجال الجيوسياسي، ويختلفان جداً حول وجهات نظر سياسية أخرى كثيرة ، وللمرة الأولى ، على التعبير صراحة بأن التفوق العسكري والاقتصادي لبلاد العم سام غير مهدد على الإطلاق..!!‏

بالنسبة لـ «كريس هيدج» وهو مراسل سابق لـ «نيويورك تايمز» في شؤون الحرب ، فإن الخطر الذي يتهدد أميركا واقعي جداً وهو يولد من الداخل وليس من خارج حدودها المترامية الأطراف في كتابه «امبراطورية السراب» أو الوهم يغوص هيدج في دهاليز أميركا المذهلة والمخادعة حيث هذيان القوة والسطوة والدفع بالعمال على الالتزام بقيم الليبرالية الجامحة والمنفلتة...‏

لعلها لوحة مظلمة يزيد في قتامتها صحافة تجاهل قوة الإرادة والأساتذة الجامعيين لتحقيق خدمة أكبر للنخبة المثقفة..‏

لم يأت هيدج بالشيء الجديد في روايته لكنه استطاع أن يقود القارىء إلى تلّمس الخطر الداهم والمحدق داخل هذه الامبراطورية جراء الزيف والتيه والضلال المتفشي في مفاصل ونمط العيش فيها بدءاً برياضة المصارعة الحرة المقززة بين «الطيبين والخبثاء»، المتجسدين هنا في حلبة المصارعة بشخصيات المصارعين ، وكأن الأمر برمته مسلسل تلفزيوني ، أبطاله عشاق ذكور فقط يلتهبون حماسة كما ويأتي هيدج على وصف المجتمع الأميركي المنحل والسقيم بالتفصيل ... ترى ماالعبرة أو المغزى من عرض رياضي كهذا؟‏

« الخيانة أو الموت» بالطبع ذلك هو المغزى كما يلخص هيدج...‏

هذه المحاكاة المزيفة للواقع الأميركي مضللة وخادعة ومن شأنها تخدير الإحساس عند المشاهد وكأنه في حال من التنويم المغناطيسي بحسب هيدج... ففي حلبات المصارعة ، تمثل مشاهد المصارعة بين المصارعين الأشداء والأقل بأساً وبطشاً ، المشاهد الواقعية عينها في الحياة الأميركية مابين أناس أكثر ثراء وآخرين أكثر فقراً ، وفي النهاية يبقى المشهد انتصاراً للقوة ، وتعزيز فكرة أن الفشل إنما مسألة شخصية لايمكن أن ننسبها أو نعززها إلى نظام أو أسلوب جامح.. بالتأكيد ، هذه الصور مخادعة بكليتها ولايمكن لشخص عاقل الوثوق بها وبالمصارعين المبتذلين والرخيصين .. إذاً الوهم مطلق وقد يصدقه المشاهد دون الاعتقاد به، وعلى هذا النحو فإنه يغوص في ثقافة ضحلة توحي له بكونها ، وللأسف ذات مصداقية تامة.. كريس هيدج الكاتب والطالب في المدرسة الاكليريكية كان، اكتشف هذه الأشياء على نحو تام أثناء زيارته لمدينة «سنسيناتي» مدينة الخطيئة ، ومدينة «لاس فيغاس» وتمثل بؤرة الفساد والإغواء الطوعي .. وكان قصد زيارتهما بهدف حضور عرض سنوي حول صناعة الإباحية في مجالات الأدب والفن ليتحول العرض بالنسبة له إلى كابوس ثقيل عندما أقبلت عليه ممثلة ونجمة سابقة مبتذلة لتروي أمامه المغامرات المزعجة داخل هذا العالم المحلّي القذر.. وبالفعل بدأ العرض منفّراً ومثبطاً للهمة ومثيراً للملل والتقزز في إثارته للعنف والاحتقار للنسوة وقد تخطى كل الحدود والمقاييس ، ذلك لأن أفعال الدعارة والفسق أفضت إلى نتائج وخيمة وصولاً لاستخدام العنف والتحقير للمرأة المنخرطة في العهر والقذارة... يعود صاحب كتاب «امبراطورية السراب» ليذكرنا بأن تصوير المواطنين العراقيين المعتقلين في السجون من قبل الجنود الأميركيين تم استلهامها من المشاهد الخلاعية التي تمارس في مدينتي الخطيئة والفساد أعني سنسيناتي ولاس فيغاس حيث كان يتم إرغام هؤلاء السجناء على التظاهر بممارسة الفحشاء مع بعضهم البعض. ومرة أخرى نقف على « لغة شاذة يستخدمها عالم دون شفقة أو رحمة»..‏

وبإمكان الثقافة الأكثر تعقيداً والمنقولة بواسطة الكتابة أن تقدم أدوات للبحث مجدداً وطرح قضية هدا الوهم الضخم على بساط البحث والنقاش .. لكن الأمية والفقر سوف يتفشيان في أميركا، وهنا تبقى الصورة سبيلاً للتسلية والتعزية بالنسبة لشعب تتفاقم حالته خطورة... بوسعنا ، نحن القراء أن نبدي آداءنا بهذه القراءة ولنقول بأن من المتعذر والقبول بها أو استساغتها، لكنها مع ذلك تجسد صورة مذهلة ومستقبلية لسقوط أميركا المدوي والوشيك...‏

 بقلم : مارك أوليفيه بيرير‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية