تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مقاربة فريدة في مواجهة مشكلات المزاج العاطفي

شباب
2012/6/18
ترجمة وإعداد: إرم ديوب

يعمق عالم الأعصاب الرائد ريتشارد ديفدسن فهمنا للصلة بين العقل والجسد بتحديده لستة أنماط عاطفية بارزة وتفسيره لكيمياء الجسم التي تشكل

أساس كل من تلك الأنماط. وقد سمّيت بالأنماط لأن كلاً منها يشكل طابعاً يغلب على السلوك العاطفي العام للمرء وردود أفعاله تجاه ما يختبره من أحداث. فإذا كنت ممن يغلب عليهم أحد ردود الأفعال السلبية يمكنك تغيير طبعك من خلال التدريب والتأمل العقلي.‏

التقى ديفدسن بمجموعة من ممارسي التأمل في الهند في سبعينيات القرن الماضي. وقد اتخذ فيما بعد طريقاً مغايراً عن المألوف في مجاله (علم الأعصاب) آنذاك حيث لم تكن تؤخذ العواطف على محمل الجد. كان إصرار ديفدسن أن علم الدماغ أساسي لدراسة العواطف, يقول:‏

“إن معظم الأبحاث التي قمت بها في عملي ركزَتْ على كيفية اختلاف المزاج العاطفي للأشخاص. فلماذا يكون البعض حساسين أمام عقبات وصعوبات الحياة بينما يكون آخرون أكثر مرونة؟‏

كان ذلك النوع من الأسئلة محوراً لكل العمل الذي قمت به في مسيرتي المهنية فعلياً. وقد حدا بي الأمر إلى فهم أعمق لطبيعة تلك الاختلافات الفردية والاختلافات بين الأشخاص في الآليات التي تحكم طريقة استجابتهم للأحداث العاطفية.”‏

الأنماط العاطفية‏

النمط الأول: المرونة—تدل على مدى سرعة تعافي المرء من المحن.‏

النمط الثاني: المَشْرَف أو الموقع—يدل على مدة دوام العواطف الإيجابية فعندما يمر بعض الأشخاص بحادثة سعيدة فإنها تنتج اتّقاداً إيجابياً يدوم طويلاً, بالنسبة للآخرين فإن تلك الأحداث السعيدة لها أثر زائل لا يدوم إلا لمدة قصيرة جداً.‏

النمط الثالث: الحدس الاجتماعي والذي يدل على مدى دقة المرء باستشعار العلامات العاطفية غير اللفظية للآخر, مثل تعابير وجههم ونبرة صوتهم ووضعيات جسدهم. يكون بعض الأشخاص دقيقين جداً في تقفّي تلك العلامات فيعلمون ما يشعر به الآخر حتى قبل أن يدركوا ذلك هم أنفسهم. بينما يجد آخرون صعوبة كبيرة في تمييز التعابير العاطفية للآخر وفي الطرف المقابل هناك مجموعة من الأشخاص يقعون في طيف التوحّد فيجدون صعوبة بالغة في فهم تعابير الوجه العاطفية. وقد يكون ذلك عقبة في وجه تواصلهم مع الآخرين.‏

النمط الرابع: الوعي الذاتي, والذي يدل على مدى دقتك في استشعار علاماتك العاطفية غير اللفظية, وبالتحديد التغييرات في جسمك. فتُنتج العواطف علاماتٍ نفسانية في أجسامنا مثل تغير معدل نبضات القلب وتغير مدى انقباض العضلات فبعض الأشخاص يقظون جداً لتلك التغييرات بينما يجد آخرون صعوبة في إدراك خوالجهم مما يصعّب عليهم مراقبة عواطفهم وتدريب أنفسهم على أنماط عاطفية أكثر إيجابية.‏

النمط الخامس: السياق أي مدى براعتك في تعديل استجاباتك العاطفية وفقاً للسياق أو البيئة التي تجد نفسك فيها. من المحتمل مثلاً أن طريقة تصرفك مع شريكك تختلف عن طريقة تصرفك مع مدير عملك. فالأفراد الذين يعانون من اضطراب ضغط ما بعد الصدمة يواجهون صعوبة في تعديل استجاباتهم العاطفية استناداً إلى السياق المحيط بهم. ففي استجابة المصاب بهذا الاضطراب لحادثة صدمة تكون التغييرات الجسدية التي يتعرض لها ناجحةً في التكيّف في بيئة وقوع الصدمة, بينما يختلف الأمر إذا أعدت أولئك الأشخاص إلى بيئة طبيعية. ومثال ذلك ما يحدث للجنود الأمريكيين عندما يعودون من أفغانستان إلى حياتهم الطبيعية, فقد يسبب سماعهم لصفارة سيارة إسعاف في الجوار فيضاً من القلق لا يقل في مستواه عن قلقهم في ساحة المعركة بالرغم من تواجدهم في بيئة آمنة.‏

و أخيراً النمط السادس هو الانتباه- يكون بعض الأشخاص شديدي التركيز بينما يكون انتباه الآخرين مشتتاً, هذا ما يلعب دوراً كبيراً في تنظيم العواطف. وقد يصل فرط التركيز وفرط الوعي الذاتي إلى درجة تجعل صاحبها عرضة للنوبات والوساوس المرضية.‏

العقل والجسد‏

هناك روابط وثيقة بين العقل والجسد تفسر أثر التمارين الرياضية كاليوغا على كياننا كله. من الحالات المثيرة التي درسها ديفدسن مع فريق زملائه هي العضلات الوجهية للخاضعين لحقن البوتوكس. فمن المعروف أن البوتوكس يشل العضلة مؤقتاً مما يؤثر على السلوك العاطفي للشخص. إذ لا تعمل تعابير الوجه على إيصال العواطف فحسب وإنما تساهم أيضاً في مدى قدرتنا على التعاطف لأن جزءاً من عملية التعاطف إنما يكمن في محاكاة عواطف الآخرين. فعندما يعاني أحدهم من الألم, نستطيع إلى حد ما الشعور به من خلال محاكاة ألمه. ويكون ذلك بإظهار تعابير وجه تحاكي تعابيره المتألمة. وعند خضوع شخص ما لحقن البوتوكس تتعطل تلك العضلات الأساسية لمحاكاة العواطف السلبية. إن البوتوكس ليس عملية تجميلية فحسب وإنما هو حدث يغير التفاعل العقلي الجسدي.‏

الصحة في التفاؤل‏

هناك أدلة علمية ملموسة على صلة النمط العاطفي للفرد مع الصحة الجسدية فغالباً ما يكون الأشخاص السعداء أصحاء إذ يتمتع أولئك بنمط عاطفي أكثر مرونة.‏

توصل علم الأعصاب إلى خاصية المرونة العصبية فالعقل قادر على تغيير نمط تجاوبه من خلال التجربة والتدريب بمساعدة الظروف البيئية الملائمة. يجب أن ننظر إلى السعادة على أنها مهارة يمكن اكتسابها بالتدريب كما نتعلم العزف على الكمان أو لعب الغولف.‏

بدعمٍ من الدالاي لاما أجرى الدكتور ديفدسن مسحاً دماغياً لأفراد من البوذيين مارسوا التأمل العقلي لمدة تزيد عن 34 ألف ساعة خلال حياتهم ووجد أن أدمغتهم تعمل بطرق فريدة, إذ سببت ممارستهم للتأمل تغيرات دائمة في وظائف أدمغتهم. وقد وجد أن ممارسة التأمل لمدة 30 دقيقة في اليوم وعلى مدى أسبوعين كافية لإظهار تغييرات في الدماغ. تظهر دراسات حديثة أيضاً أن ثمانية أسابيع من التمرين التأملي والتأمل العقلي من شأنها أن تُحدث تغيراً بنيوياً في الدماغ, وتغيراً في البنية الجسدية والذي يمكن قياسه بجهاز الرنين المغناطيسي.‏

تدعونا خاصية المرونة العصبية لاتخاذ مسؤولية أكبر تجاه أدمغتنا من خلال ممارسة تمارين لاتخاذ عادات عقلية أكثر صحة وإيجابية ومن خلال تنظيم بيئتنا المحيطة بما يخدمنا بدلاً من أن نكون رهناً لها. علينا أن نخلق مساحات أكثر إيجابية في حياتنا فأدمغتنا في تكيف مستمر مع البيئة المحيطة.‏

من برنامج “كل ما في العقل” من الراديو الوطني الأسترالي ABC .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية