تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


استنزاف اليمن... مرحلة مابعد المبادرة الخليجية

شؤون سياسية
الثلاثاء 19-6-2012
هيثم عدرة

الصورة التي رسمت للواقع اليمني منذ البداية جعلت الرؤية غير واضحة حول طبيعة السيناريو المعد لها مسبقا , فالواقع اليمني كما في العديد من الدول النامية يعاني من صعوبات اقتصادية بمستويات مختلفة تم استغلال هذا الواقع وتضخيمه

والذي أدى إلى انقسامات في الشارع اليمني, وتتالت الأحداث لتشكل بمجملها حالات شلل بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى في المجتمع اليمني ونشرت المزيد من ثقافة القتل وواقع من الجوع بسبب تراجع الإنتاج وتوقف بعضه , وهذا بالطبع جعل حالة الانحدار على المستوى الاقتصادي ينعكس سلبا بشكل متسارع .‏

المبادرة التي طبقت في اليمن هي لوضع حد لما آلت إليه الأمور وعندما تم ذلك انتقلت الحالة إلى شكل جديد ومختلف ومغاير عن مسارها منذ البداية ,فأضحى الاستيلاء على مناطق بعينها في اليمن من قبل القاعدة هي الصورة التي بدأت تظهر وبدأت المعارك بين الجيش والقاعدة ,عمليات كر وفر , وبدأ المشهد يتضح أكثر فأكثر , فالمطلوب هو استنزاف قدرات الجيش اليمني وخصوصا أن قوته ليست مطلوبة أو مرغوبة من قبل جارته السعودية ودول الخليج بالمجمل .‏

التفاعلات التي تجري في اليمن واستباحة أرضه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وقصف الطيران الأمريكي لما يسمى تنظيم القاعدة يجعل الصورة تكتمل حول السيناريو الذي اعد لليمن وهو إغراقها في أتون حروب قبلية من جهة وإنهاك الجيش بمحاربة تنظيم القاعدة للوصول إلى الغاية المرادة وهي تدمير كل مقومات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقضاء عل بنية الجيش كي لاتشكل أي خطر يقترب من دول الخليج .‏

الملاحظ وبنظر العديد من المراقبين أن مصير اليمن أصبح مرهونا بالمشيئة الأمريكية وماذا تريد منه على المدى القريب أو البعيد وخصوصا انه أضحى مرهونا بالمساعدات التي تأتيه بشكل مشروط ليستطيع الاستمرار بالحياة بالحدود الدنيا.‏

في ظل هذا الواقع الذي تحدثنا عنه إلى أين تتجه الأمور في اليمن وخصوصاً أن تنظيم القاعدة يستولي على مناطق يصعب السيطرة عليها من قبل الجيش بالرغم من قدرات الجيش التي استطاعت أن تعيد مناطق عديدة لسيطرتها ومن بينها زنجبار التي كانت تحت سيطرة القاعدة ,ولكن يمكن القول أن الحالة اليمنية تنذر بمخاطر كثيرة أهمها فقدان سيطرة الدولة على قواها في ظل مايحصل على الأرض ,فالحالة الاقتصادية أصيبت بالشلل بسبب الاحتجاجات التي قامت ,وضعف المؤسسة العسكرية من خلال استنزافها بمحاربة القاعدة ,تلك الثنائية أوجدت الأرضية المناسبة للولايات المتحدة للتصرف وفق أهوائها ومخططاتها في بلد مجاور للخليج لتشكل فيما بعد نواة لتواجد عسكري ما ربما ستظهر تفاصيله لاحقا بعد أن يتم تحويل اليمن إلى بلد مشلول من حيث قدراته وعلى جميع المستويات ,عندما ينقشع الغبار ستظهر الصورة الأخرى والتي سيراها المواطن اليمني ولكن بعد أن يكون قد ساهم من حيث لايدري بتدمير قدرات بلاده وتقديم خدمات مجانية تحت تسميات الحرية والديمقراطية وما يسمى بالربيع العربي كما يحلو للبعض تسميته , والذي يحصل هو القضاء على جميع مقومات الحياة والقوة بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى وإغراق البلدان العربية بصراعات مذهبية تجعلها تدمر نفسها بنفسها من الداخل , وتلك السياسة تم اعتمادها من قبل الولايات المتحدة مؤخرا وهو إشعال الحروب ولكن بشكل غير مباشر عبر تغذية وتأجيج التناقضات الداخلية في المجتمعات العربية واللعب على الخلافات وإيجاد البؤر المناسبة كي تكبر وتشتعل لتحرق هذه المجتمعات ليتم تدجينها بشكل أو بآخر على الطريقة الأمريكية , ربما يقول قائل أن هذا الكلام هو نوع من الهروب من المشاكل الحقيقية في المجتمع اليمني وغيره .‏

الأمثلة كثيرة وأضحت واضحة للجميع والتأثيرات السلبية طالت البلدان العربية والهدف هو إغراقها في دوامة العنف وإضعافها على جميع المستويات وقراءة سريعة لما حصل في تونس وليبيا ومصر واليمن تعطي مؤشرا على حجم المخطط المعد مسبقا .‏

لابد من القول إن مايجري في منطقة الشرق الأوسط هو أيجاد الأرضية الخصبة لتشكيل الأسس التي تراها مناسبة الولايات المتحدة الأمريكية لشرق أوسط كما تريده هي وفق مشيئتها وبما يخدم وجود إسرائيل ككيان يمتلك القوة لوحده , ومن هذه الزاوية يمكن قراءة وتحليل ما يجري في سورية من حرب كونية هدفها كسر إرادة المقاومة كونها الخط الأخير للمقاومة وحجر عثرة في تنفيذ مخطط جهنمي يعد للشرق الأوسط والذي سيتحطم من خلال إرادة المقاومة التي يتحلى بها شعبنا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية