|
فضاءات ثقافية
فيما يلي ترجمة لمقتطفات من آخر حوارين أجرتهما معه صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية: - فيما لو استعدنا أحد عناوين أقاصيصك الشهيرة، هل تعتقد أن أحداث 11 أيلول كانت بمثابة «ضربة صاعقة» بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟ -- بالطبع كانت كذلك. ومع ذلك أجد أن هذا الأمر المأساوي لم يقدم أي درس لمسؤولينا. كان على تدمير البرجين أن يقود الولايات المتحدة إلى أن تعي أن سياستها الخارجية جائرة بشكل عميق. كان علينا أن ندفع هيئة الأمم كي تستثمر في الشرق الأوسط منذ عشرين أو ثلاثين سنة للحفاظ على حدود مرسومة بين فلسطين وإسرائيل. هناك ملايين الأشخاص المعنيين بهذا الأمر. لكننا لم نفعل شيئاً. اخترنا أن نعترف بإسرائيل لا بفلسطين. فضلنا أن نهتم بمصالحنا وبقوادنا الذين يحكمون بدلا من أن نهتم بالبشر. بهذه الطريقة أستطيع شرح كارثة 11 أيلول. هذه العملية الإرهابية قد أصابتنا في الصميم، كردة فعل على تصرفاتنا الظالمة والمحتقرة تجاه شعوب الشرق الأوسط. - بصفتك كاتب خيال علمي، هل تصورت شيئاً مماثلاً؟ -- ولا للحظة واحدة. العديد من روائيي الخيال العلمي أمضوا حياتهم وهم يتخيلون مستقبلاً قاتماً، مليئاً بالضجة، بالرعب، بالتنبؤ بكوارث. حتى أنا نفسي مع «فهرنهايت 451» رغبت في توصيف مستقبل مظلم. ومع ذلك لم نتخيل أبداً بأنه يمكن الاستفادة من طائرة لنجعلها أداة تدمير. في اللحظة التي شاهدت فيها الصور على التلفاز، قلت لنفسي: «يا إلهي، لقد فعلوا ذلك». إن كان يمكن للإرهابيين الذين أرسلهم بن لادن أن يقوموا بذلك لمرة، فهذا معناه أنه يمكنهم أن يقوموا بذلك بأدوات أخرى. تعلمت من 11 أيلول هذا، بأنه يمكن لأي فرد أن يصبح قنبلة. لا يمكننا أن نحمي أنفسنا من الكائنات البشرية. أي واحد، وفي أي لحظة، يمكنه أن يحول جسده الذي هو رمز الحياة إلى محرك رهيب للموت. ردة فعل الحكومة الأميركية كانت سيئة. كان عليها أن تركز على أسباب المشكلة الحقيقية بدلاً من أن تشن حرباً على الإرهاب. علينا أن نفكر بهذا في المستقبل وإلا... - وإلا فماذا؟ -- سنتحول جميعاً إلى غبار (يضحك) - يتيح لي هذا الجواب انتقالاً جميلاً إلى عنوان كتابك الأخير «من الغبار إلى الجسد»، الذي يبدو كعنوان توراتي، يتيح أملاً ما للبشر في نهاية الأمر: بأن يولد مجدداً من الغبار. كيف تخيلت هذا العنوان؟ -- هكذا تصرفت «ربة الوحي» عندي (يبتسم).. هل تريد أن تعرف كلّ شيء؟ كل ما أكتبه يكتنفه السر. يأتيني الوحي، عند استيقاظي كل يوم، في السابعة صباحاً. وهذا ما أسميه «مسرحي الصباحي الصغير». أشعر بأن هناك عدداً كبيراً من الاستعارات يحوم حولي. لا أحلم حقاً ولا أكون مستيقظاً بشكل كامل. إنها حالة مدهشة: تشعر بالارتخاء ولا تحول أي شيء إلى ثقافة، وأحاول أن أستفيد من هذا العرض المسرحي للفكر. أحياناً ألتقط صورة أو فكرة طائرة قائلاً لنفسي: «هذه فكرة جيدة، لأصنع منها شيئاً». حينذاك أنهض من سريري وأبدأ بالكتابة. في الماضي، كنت أنزل إلى «كهفي» لأطبع ذلك على الآلة الكاتبة، لكن بعد أن أصبت بالشلل الدماغي، صرت أعمل في المنزل. أقوم بأشياء كثيرة عبر الهاتف. تساعدني ابنتي ألكسندرا. أملي عليها الأقاصيص إذ إن إلقائي أفضل مما كان عليه قبل ثلاث سنوات. وبفضل الله ما زال رأسي يعمل. لكن عليّ أن أسير مع عصا، ولا يمكنني أن أطبع بشكل جيد بيدي اليمنى. لا بأس بذلك. تقوم فلسفتي على أمرين «إلى الجحيم معه» و»قم بما عليك أن تقوم به». وكي أعود إلى مسرحي الصباحي يمكنني أن أقول الآن: لم أعرف يوماً كيف أمكنني تأليف كتاب مثل كتاب «تعليقات مريخية». في البداية، كتبت فقط سلسلة من الأقاصيص، ومن ثم في يوم، جاءتني فكرة تجميعها كلها بكونها مسلسلاً فرض نفسه عليّ. هكذا ولدت «التعليقات المريخية». - هل تخشى الموت؟ -- كلنا نخشى الموت. هذا هو السبب الذي من أجله أحاول أن أنهي عملي. منذ المرض، الذي كاد يقتلني، كتبت أربعة كتب. هذا هو الجواب. إن بقيت من دون أي عمل، فستموت. في المستشفى، بعد الحادثة، لم أكن أستطيع تحريك الجانب الأيمن من جسدي. لا ذراعي ولا قدمي. بالكاد كنت أستطيع الكلام. ومع ذلك اتصلت بابنتي هاتفياً وقلت لها: «احضري لي الرواية التي كنت أعمل عليها». فبدأت بالعمل على «عن الغبار إلى الجسد»، وأنا ممدد على ظهري، مملياً جمل الفصول المختلفة على ابنتي بالهاتف. بالتأكيد لم أكن أنوي أن يحملني الموت معه. |
|