تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بهاء طاهر يجيب عن الأسئلة الحرجة: كيف وصلنا إلى الإخوان المسلمين؟

فضاءات ثقافية
الثلاثاء 19-6-2012
غيّرت الأحداث في مصر كثيراً من عادات بهاء طاهر. صاحب «الحب في المنفى» كان أعلن منذ سنوات أثناء الاعتداء الإسرائيلي على غزة مقاطعته لقراءة الجرائد، ومتابعة برامج التلفزيون، لأن طاهر من أكثر الشخصيات حساسية، يمرض طويلاً عندما يشاهد في نشرات الأخبار مشاهد عنف ودمار وقتل.

ربما كان هذا سرّ اكتئابه لفترات طويلة. لكن الأحداث العربية غيرت هذه العادات، «يتسمر» صاحب «خالتي صفية والدير» أمام التلفزيون، يتابع بشغف وإدمان مايجري، يخرج للمشاركة في تظاهرة أو مسيرة لمطلب ما، أو يلتحق بأصدقاء على المقهى مناقشاً إياهم في «الأحوال».. حتى السفر لم يعد يطيقه خارج مصر... يضحك: اعتدت أن أقضي شهور الصيف في سويسرا بصحبة زوجتي، ولكن تم تقليص المدة حتى صارت اسبوعا واحداً.‏

إهمال الثقافة في المجتمعات العربية، وتراجع دورها هو ما جعل الساحة خالية للثقافة السلفية والإخوانية... لذا يرى طاهر: «إنها معجزة أن يكون هناك جمهور للأدب وسط الطغيان الإعلامي الترفيهي، والرياضي، ووسط التعليم البالغ الرداءة، والأزمات الاقتصادية التي تجعل الكتاب في أدنى اهتمامات المواطن العادي.. حقيقة لا أعرف حلاً لهذا اللغز؟».‏

- قضية المثقف والأمير.. تحتل مكانة بارزة في مشروع بهاء طاهر الإبداعي والفكري.. هل هي خيانة المثقفين التي أوصلتنا إلى الإخوان المسلمين؟ أم أن المجتمع تتنازعه دائماً العلاقة بين الجنرال والفقيه؟‏

-- في الحقيقة، المجتمع يتنازعه صراع بين المثقف والواعظ، ولكن منذ السبعينيات أصبحت الغلبة للواعظ. بفضل المثقف أصبحنا مجتمعاً مدنياً، وبدأ ذلك بالاستقلال عن الخلافة العثمانية وفكرة الحكم الديني، ثم بدأ الحديث عن فكرة «المواطنة» التي أسهم فيها رفاعة الطهطاوي، الذي أكد أن المصريين متساوون في الحقوق والواجبات مهما كان دينهم. ثم جاء محمد عبده ليؤكد أنه لا ولاية لأحد على عقيدة مسلم إلا ضميره، ثم كانت النقلة الحاسمة بالاعتراف بحقوق المرأة وكانت أيضاً على يد محمد عبده وقاسم أمين. كل هذه كانت مقدمات للدولة الحديثة التي انتقلنا إليها مع تسرب أفكار الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي نقلة ساهم فيها المثقفون أمثال طه حسين ويوسف إدريس وآخرين، أجيال متعاقبة أسست للدولة المدنية، ولكن بداية من نكسة 67 بدأ المجتمع ينحّي المثقف جانباً لمصلحة الواعظ، بدعم قوي من الحاكم وتحديداً عندما تولى السادات الحكم.‏

- ولكن أنت تعيد الأمر إلى نكسة 67؟‏

-- عبد الناصر كان مضطراً لذلك، لأنه كان يريد أن يبعث في الناس نوعاً من الأمل والإيمان بالقضية الوطنية التي لا يمكن الخلاف عليها، ومن هنا أسبغ بُعداً دينياً على القضية الوطنية، وهذا حدث في روسيا مع الغزو النازي، بدأ هناك نوع من المصالحة مع الكنيسة الأرثوذكسية التي لم يكن مُعترفاً بها، يعني في فترات الهزيمة يعود الناس إلى الدين دائماً. ولكن في أيام عبد الناصر لم تكن هناك محاولة لفرض هذه الرؤية الوهابية على الثقافة والمجتمع المصري. الذي فعل ذلك هو السادات خطوة خطوة حتى وصلنا الآن إلى الإخوان. ما أريد أن أؤكد عليه أن الخلاف الجذري على مدى القرن كان بين المثقف والواعظ، واستطاع المثقف على مدى عشرات السنين أن يُحدث نقلة هائلة للانتقال من دولة قرون وسطى إلى دولة حديثة، ولكن مع هزيمة 67 والانقلاب على مبادئ الثورة المصرية أصبح للواعظ الغلبة، ورجعنا مرة أخرى الآن إلى مفاهيم الخلافة العثمانية التي كانت «استعماراً دينياً من نوع غريب» حسب وصف جمال حمدان.. ولو لم يكن لهذا الغزو قشرة دينية لحاربه المصريون كما حاربوا التتار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية