|
ثقافة
تزخيم حركة الضوء ورغم اتجاه لوحات المعرض، الى أجواء التشكيل التجريدي القائم على حركة الضوء، فإن ايحاءاتها واشاراتها تعيدنا الى موضوعات مختلفة، مستمدة من مشاهد الواقع والفضاء الكوني معا، اذ ثمة لوحات معروضة هنا تحيلنا إلى عناصر انسانية، وطبيعة ثلجية وضبابية مختزلة ومحورة ومبسطة، وضمن مواصفات العمل الفني المميز بحركته التعبيرية الحاملة مسحة خيالية في أحيان كثيرة، في حين نرى مايشبه الاجرام السماوية بحركتها الانشطارية في لوحات اخرى. إلا ان أهمية المعرض لاتكمن في مدى قرب اللوحة او بعدها عن اشكال الواقع الارضي والفضائي، وانما تكمن اهميته في القدرة على كشف أسرار التقنيات الضوئية القديمة والحديثة، والتعبير بحركات الضوء بخطوط متقطعة ومتعرجة ومتموجة ومتناثرة، تتخللها في اماكن متفرقة من اللوحة،الوان الطيف الشمسي (قوس القزح) وتبدو محاطة دائما بمساحات خافتة ومعتمة.
فهو يعيد تركيب ملامح الصورة الضوئية، ضمن أساليب اختبارية جديدة ومتنوعة. فالسمات البارزة في لوحات المعرض، تتجلى في العودة إلى التقنيات القديمة والجديدة، في خطوات صوغ الرؤى البصرية، وايجاد تنويعات التداخل التجريدي والخيالي بين اشارات الاشكال المختلفة المستمدة من الواقع. فاللوحة الضوئية تتخذ شكل العمل الفني، وتعتمد أسلوب الاستقصاء الجمالي، الذي يحقق صيغة تجمع بين عالم الفن التشكيلي الحديث وعالم التصوير الضوئي، الشيء الذي يجعل من تقنية اخراج الصورة، بمثابة تصويرحديث وتشكيل معاصر، يستحوذ على إعجاب النقاد والفنانين والمتابعين. وناصر سلامة عبيد يعمل لاظهار حركة الضوء التجريدي كعنصر بصري أساسي في اللوحة،إذ يبدو الضوء بدرجاته وايقاعاته المختلفة، محاطا بالشكل او متداخلا معه أو ستارا له أو قريبا من اللون الابيض الشفاف الذي يرسله الضوء الضبابي، في حين تشغل الخلفيات الخافتة بقية مساحة اللوحة، و هذه الحركة لا تنحصر بما هو تجريدي، كما أشرنا، وإنما ترتكز إلى ما هو تعبيري ورمزي وايحائي. هاجس تقني ويركزلإبراز حركات خطوطية ساطعة، تتحول في لوحات اخرى الى شهب وانفجارات، تضرب المساحة التشكيلية الضوئية بعنف تعبيري، مما يذكرنا بجانب من التجريد الانفعالي الحركي الذي اطلقه في اللوحة التشكيلية «هارتونغ». لكن ما هو بارز في هذه الانفعالية،هو ابتعادها عن العبثية والعشوائية،إذ إن التكوين العام للوحة الضوئية، يبقى مدروساً وملطفاً،وبالتالي فهو يصل إلى فسحات بصرية،مريحة للعين الذواقة،تؤكد مدى اختمار علاقته بلوحاته، المتجهة نحو المزيد من التعبير الجمالي البصري الحديث والمعاصر. هكذا يتحرر من ثوابت ومرتكزات نزعة تصويرية واقعية، ويركز لاظهار اشارات الأشكال وتموجاتها الضوئية. ويبدو في ذلك مرتاحاً في اعتماد تقنياته الضوئية الخاصة، وإبراز تداخلات الظل والنور، في حركتهما الدائبة والمتشابكة، كأنه يسعى من خلال ذلك للكشف عن الحقائق الأكثر غورا للأشكال، مع الإبقاء على التآلف العفوي والعقلاني بآن واحد. فهو يختصر الأشكال والعناصر، ولا يبقي منها إلا إشاراتها المختصرة والمبسطة والعفوية والدالة عليها، وهو أكثر من ذلك، يجعلها متداخلة مع التشكيلات التجريدية التي تشغل مساحة معينة او بؤرمحددة في اطار اللوحة. اللوحة الضوئية هنا تبتعد اذا كل البعد عن الدخول في الواقعية المباشرة، وتقترب من التداخل الذي طالما يحدثه بين الواقع والتجريد والخيال، ففي خطوات الانتقال من لوحة إلى أخرى، نقع على إشارات وجماليات إعادة التعامل مع اشكال الواقع، من منطلق التدخل فيه، وهو في ذلك يسعى لإلتقاط حركة أطياف الواقع، من خلال الإنتقال من إضاءة إلى أخرى، سعياً وراء اكتشاف أسرار الحياة والحركة والإيقاع التعبيري المنفلت من سكونية الواقع الخارجي وأفقيته المشهدية. facebook.com/adib.makhzoum |
|