تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة فــي حـدث... المعادلة الصعبة..

آراء
الأربعاء 29-7-2009م
د. اسكندر لوقا

في الحياة ثمة معادلات يصعب على المرء أن يتقبلها بشكل أو بآخر، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، معادلة الجشع. فالجشع أحد تلك المعادلات الصعبة في الحياة، ذلك لأن صاحب هذه الطبيعة المرضية، إن صح التعبير لايختلف في كثير أو قليل،

عن المعدة التي لا تعرف الشبع بحال من الأحوال.‏

وفي شهوة الاكتناز لمجرد الاكتناز أيضاً ثمة الدليل على هذا المنحى المرضي في حياة إنسان العصر على نحو ما نراه في سياق علاقاتنا مع الآخر وفي سياق هذا المنحى وذاك غالباً ما لا يرى الإنسان سوى نفسه على سطح المرآة، كأنه الدائم أبدا مدى الدهر فيما الآخرون ماضون في غد قريب أو بعيد.‏

ولهذه الاعتبارات يعد الجشع مرضاً إذا ما أصاب شخصاً استعصى على العلاج بسهولة أو برفق شأنه شأن بقية الأمراض المستعصية والقاتلة في معظم الأحيان ومن هنا يتجنب الناس المصاب بمرض الجشع حرصاً على ما لديهم من خطر القنص إذا ما تسنت للمصاب بالمرض إياه أن يلجأ إليه مدفوعاً بغريزة التملك وتحت أي ذريعة أمكنه أو يمكنه صوغها.‏

وفي الحياة المعاصرة شواهد عديدة حولنا، حيث يزاحم المصابون بمرض الجشع الآخرين حتى على لقمة عيشهم، وأحياناً كثيرة لا بدافع الحاجة بل استجابة لتداعيات الطبع لديهم لا التطبع.‏

إن الرغبة في الاكتناز قد لا تبدو نزعة مرضية من حيث المبدأ، بيد أن ما يجعلها تبدو كذلك تفاقم أثرها وامتداده على ما حولها، لأنها بذلك قد تتعدى أبعادها الموضوعية فتغدو على صورة الاعتداء على حقوق الغير سواء ما تعلق منها بمستلزمات العيش، أو ما تعلق منها بإرضاء نزعة تملك مالدى الغير من تلك المستلزمات وإن لم يكن هو بحاجة إليها.‏

وليس هذا المرض بعينه الفريد من نوعه في المجتمعات التي لم تتكون فيها بعد أخلاقيات التعامل الصحيح فيما بين أفرادها، وذلك على غرار المجتمعات التي تفتقر إلى مقومات كينونتها الحضارية، لهذا يسقط المجتمع بسقوط الفرد فيه والعكس أيضاً صحيح.‏

وبطبيعة الحال فإن نفي وجود أو انتشار مرض الجشع كلياً، في أي من المجتمعات المعاصرة لا يندرج تحت عنوان المنطق السليم، لأن الإنسان مدفوع بالغريزة قبل تفتح مداركه على الحياة، ليحظى بما ليس لدى الآخر وبمنطق المعادلة القائلة إن الغاية تبرر الوسيلة. وفي اعتقادي أن تبعات هذه المعادلة في مجال العلاقات الإنسانية-الإنسانية، حين تتملك المؤمن بها تجعله خارج إطار التأقلم مع من هم حوله، سواء في بيئته الضيقة أو بيئته الواسعة على مساحة بلده. وفي عالم السياسة، نتلمس شيئاً شبيها بمرض الجشع، حتى تعمل الدول التي تملك القوة العسكرية أو النفوذ الاقتصادي على استلاب حقوق الدول الأقل قوة ونفوذاً، ‏

بدافع الاكتناز، وغالباً ما تثبت الوقائع على الأرض أنها لم تكن بأمس الحاجة إلى ما استلبته بالقوة أو بالنفوذ لإشباع غريزة الجشع التي تقودها إلى مافعلت أو تفكر بما ستفعله حين تتاح لها فرصة مناسبة.‏

وفي السياق المتصل، إذا كان يتطلب الأمر أن أستندإلى رؤية أحد الفلاسفة العرب القدامى في هذا المضمار، أستذكر قوله ما معناه أنه لولا المروءة ثقل حملها ما ترك اللئام للكرام شيئاً!‏

ولا أظن أن هذا القول بعيد عن واقع أيامنا هذه حيث اللئام لم يتركوا للكرام ما ينعمون به أو ما يطمئنون على مستقبلهم دفعاً لتداعيات انهيار الأخلاق وسقوط الإنسان في الخطيئة. ومن هنا غدت سبل الحفاظ على حقوق الآخرين في المجتمعات التي تفتقد إلى الأخلاق، بمكوناته الواسعة في أيامنا هذه من المعادلات الصعبة إلى حد ملحوظ.‏

dr-louka-maktoob.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية