تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ســــباق نحــــو الهاويـــــة...وللفضائيــــات فيمــــا تعشــــق مذاهــــب

فضائيات
الأربعاء 29-7-2009م
بسام زيود

باتت الفضائيات كما يقولون بالعامية (أكثر من الهم على القلب) ولكن ليس المهم الكم بل النوع، ففي الوقت الذي تتسابق فيه معظم دول العالم لإثبات خصوصيتها وهويتها وأصالتها وتقديم كل مايليق بعظمتها وتاريخها وتراثها وتخليد ماضيها وتمجيد حاضرها

والسعي لصناعة تاريخ جديد فإن الفضائيات العربية وللأسف تتسابق وبشكل محموم لتقديم ثقافة باهتة هشة ورخيصة إلى درجة الابتذال، حيث بات هز الوسط والخصر ضرورة كأحد مقومات يومياتنا كقهوة الصباح، وأصبح العري والخلاعة محل أشعار المتنبي وأبو فراس الحمداني والمعري وحلت أرجل نانسي وروبي وسيقان هيفا وباسكال وكليباتهن محل بطولة الخنساء وشجاعة زنوبيا وكليو بترا وبصر زرقاء اليمامة الثاقب وأدب مي زيادة وغيرهن و(نحن أمة اقرأ).‏

يقول أحد الأئمة (ماغزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا) وللأسف فإننا نغزى مئات المرات في اليوم وفي وسط ديارنا (صحيح ليس بالطائرات أو بالعسكر) ولكن عبر ماهو أخطر من ذلك بكثير، وهو مايدعى اليوم بالغزو الثقافي الذي بات يهدد وجودنا عبر فضائيات فارغة تقتحم بيوتنا وخصوصياتنا وهويتنا رغماً عنا، والأنكى من ذلك أنها عربية الاسم والتمويل ولكن بطابع ومحتوى غريب عن عاداتنا وتقاليدنا وعروبتنا وكأنها صممت ووجهت لزرع الرذيلة بدل الفضيلة وتخريب وتدمير عقول الناشئة من أطفالنا وشبابنا، بحيث باتوا يتشبهون بالمطربين والممثلين ويقلدون حتى طريقة تدخينهم وملابسهم وموضة حلاقة الرأس وضع الجل والميك أب ، فهل بتنا كأحجار الشطرنج أو بالأصح كالدمى بلا شعور تقبل أي شيء ونأخذ من حضارة الآخرين مايصدرونه لنا وبالأدق (زبالة حضارتهم) فهل نسينا قول جبران (ويل لأمة تأكل مما لاتزرع وتلبس مما لاتصنع) ولكن لايجب أن نلوم الآخرين بل يجب أن نحاسب أنفسنا لأن تلك الفضائيات تدرج نفسها تحت مسمى العربية وهنا الطامة الكبرى (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة) والأغرب من ذلك كله أن بعض تلك الفضائيات والتي تختص حصرياً ببرامج المسابقات اتجهت إلى تقديم مسابقات تفتقر إلى أي معلومة، والأكثر غرابة أنها اتجهت إلى تسفيه عقل المواطن واستغبائه بحيث تطرح مسابقة أوحزورة يومية ولكن يا للعجب تصبح سنوية وكأنها معادلة بلا حل ولغز، وحتى لانبقى في إطار العموميات فإننا نقدم نموذجاً على ضحالة تفكير القائمين على المحطات حيث تقول‏

المذيعة الدلوعة والتي هي أقرب ماتكون لعارضة أزياء وبالأدق راقصة (ما الشيء الذي يأكل ولايشبع وأن شربته يموت) لتأتي الإجابات حتى من الجاليات الموجودة في الخارج ومع ذلك لا أحد يقترب من الحل بحيث أصبحت الحزورة على رأي إخواننا المصريين لغزاً كالصحون الطائرة وتنتقل بالعدوى إلى باقي المحطات، ولكن تبقى هذه الحزورة صعبة في نظرهم قياساً بما يطرح في فضائيات أخرى لنقول (طائر من ثلاثة حروف إذ وضعنا الحرف الثاني مكان الأول أصبح مكاناً يعيش فيه الملوك وتأتي الإجابات مسرعة ولكن حصاد الخيبة والجهل المستبد بالعقول كان أسرع، فالمشاهد يقترب من كل شيء إلا الحل ليبقى أحجية صعبة ورقماً صعباً في متوالية حسابية أصعب والسؤال المهم: من أسس تلك الفضائيات وما هدفها وكيف تسمح لنفسها باستغباء جمهورها إلا إذا كانت تعرف مسبقاً أنها تستغبي نفسها وتضحك على حالها بأن لها حضورها وعشاقها؟ وإلا لما استمرت بلعبة النصب والاحتيال في تقديم برامج أكثر مايقال عنها: إنها سطحية وسخيفة لكن معذورون فكل وعاء بالذي فيه ينضج.‏

والأهم من ذلك كله أين هي الرقابة على تلك الفضائيات وبرامجها القاصرة والفارغة من أي مضمون أو هدف إلا إذا كانت موجهة لطمس عروبتنا ومحو هويتنا وإثبات أننا شعب بلا هوية ولاماض ومن لاماضي له فلا حاضر له ولامستقبل.‏

أليس من المفروض أن يكون هناك مجلس إعلام عربي لمحاربة هذا المد الهائل من ثقافة الابتذال والاستخفاف بنا؟ والأهم من ذلك كله: لمصلحة من تعمل تلك الفضائيات التي غالباً ماتكون نهايتها معروفة وهي الصعود ولكن باتجاه الهاوية.‏

رحم الله المتنبي، الذي ملأت أشعاره الدنيا وشغلت الناس فقد اشتهر بالحماسيات والمديح والهجاء وعزة النفس ومجالسة الأمراء والملوك ولم يكن يعرف ما الفضائيات ولا كلمة حصرياً على قناة (..) ونحن نقول حقاً: وللناس فيما يعشقون مذاهب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية