|
افتتاحية لكن المعضلة تبقى في بنية الدولة العميقة داخل أميركا، التي تجاهر علناً، وتتصرف على أساس أنها لا تزال تمتلك كل المحفّزات للاستمرار في نظام القطبية الأحادية وفق علاقة عابرة للأقطاب من داخل وخارج مفاتيح الدولة العميقة أو نقاط ارتكازها الأساسية، وفي بعض الشطحات الافتراضية تعتبر أنها تمتلك فائضاً من تلك النقاط، ترجّح كفّة التمسك بتلك الأحادية. الأخطر في المقاربة.. يبقى في رهان الرؤوس الحامية في البنتاغون ومراكز القوى التقليدية داخل الإدارة الأميركية أو خارجها، على أن أي محاولة للمس بتلك الهالة ستواجه بردة فعل، بما فيها التفكير بخيارات من خارج الصندوق، ولن تتردد في استخدام كل ما هو متاح من أجل تعطيل أي مشروع بهذا الاتجاه، حتى لو اضطر الأمر إلى إشعال حروب إضافية، لا يكون المقرر فيها البيت الأبيض، أو في حدٍّ أدنى ليس أول من يعلم بها، مثلما لن يكون بأي حال آخر من يعلم بها!! الرد الروسي على لسان الرئيس بوتين كان واضحاً وصريحاً ومحكماً حين اعتبر أنّ تحوُّل العالم إلى تعددية الأقطاب شيء بديهي، من دون أن ينسى الإشارة إلى مخاطر التعنت الأميركي، باعتبار أن عدم قبول بعض الدول لهذه الحقيقة سيقود إلى المواجهات التي تشكل المنعطف الفعلي في العلاقات الدولية، وتمثل التهديد الصريح للنظام العالمي. ما يزيد من مخاطر ذلك التعنّت التشوهات الناتجة عن الاستطالات المرضية، التي حكمت العالم، والتي بالغت أميركا في فرضها ومحاولة استلاب العالم على خلفيتها، وجاءت على شكل تورمات في الهيمنة لم يعد من الممكن التعاطي معها إلا بطريقة الاستئصال، حيث ستظل حتى ذلك الحين تفخّخ العلاقات الدولية وساطوراً يهدد النظام العالمي، وورقة إضافية تستخدم للضغط على أي تفكير من خارج الصندوق من الطرف الآخر، سواء كان في الداخل الأميركي أم خارجه. غير أن ذلك لا يعني بالمطلق أن العالم سيبقى محكوماً بتلك المعادلة، التي تجعل الخيار محدداً بين المواجهة أو القبول بالأمر الواقع، حيث المؤشرات الأساسية التي تشير إلى بدء تململ عالمي من فروض الهيمنة الأميركية من أقرب حلفائها، تصلح لتكون قاعدة يمكن تعميمها في مرحلة أولى، والأخذ بها في خطوة لاحقة من أجل وضع حد لتلك الفروض المرفوضة، حيث الأحادية القطبية ليست قدراً، والعالم ليس محكوماً بقدريتها إلى ما لا نهاية. في المحصلة نحن اليوم أمام مخاطر الانزلاق العالمي نحو مواجهة يمكن مشاهدة ولمس مؤشراتها من خلال الأزمات المتفجرة والمتنقلة غرباً وشرقاً، شمالاً وجنوباً، على وقع الصياغات الناتجة عن إحكام تلك الهيمنة والأحادية القطبية على مفاتيح العلاقة مع الآخر وتجاذباتها الحادة، وإن برزت على نحو متزايد الرغبة في التخلص من ربق الهيمنة وافتراضاتها، التي تفتح بدورها ضوءاً في آخر النفق رغم طوله نسبياً والمخاطر الحاضرة بداخله. a.ka667@yahoo.com |
|