تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«الأدب والحــــرب»

ثقافة
الجمعة 5-7-2019
ليندا ابراهيم

أنظر حولي، متتبِّعة ما يُنشَرُ هنا وهناك، وما يُبَثُّ من أخبار عن مؤلفاتٍ تصدُرُ، وجِهَاتٍ لم تتوقَّفْ عن النَّشر، ومؤسَّساتٍ استأنفَتْ عملَها بعد توقُّفٍ اضطراريٍّ خلال سنواتِ الحربِ الأولى على سورية، وغيرِها من بلدانِ عالمنا العربيِّ،

عن أدباءَ وكُتَّابٍ لهم تاريخُهُم الحافلُ السَّابقُ في مجال الأدب والثقافة، وتابعُوا وتألَّقُوا وكانوا بحدِّ ذاتهم محطَّ هدايةٍ ومنارة شكَّلَتْ إضاءاتٍ في عتمة الظُّلمة الأولى للحرب، ورأياً عاماً يلتفُّ حوله الكثيرُ من الجماهير والقُرَّاء والمتلقِّين، كما أتتبَّع آخرين نضَجَتْ وتبلوَرَتْ وبرزتْ تجاربُهم خلال سنواتِ الأزمة هذه، وآخرين ممَّنْ باشرُوا محاولة هذا المحرابِ مُبتدِئينَ مُحَاولين، وأعني بهذا المحراب، محرابَ الكتابةِ والنَّشر والتَّأليف في شتى ميادينِ الفكر والإبداع من كتابة وتأليف وترجمة وأدب بأنواعِهِ وأجناسِهِ، وتأليفٍ علميٍّ وبحثيٍّ ومتابعة الخوض في عباب العلم من رسائل بحث في الماجستير والدكتوراه في كل مجالات وصنوف العلم واختصاصاتها، لأقول، على زخَمِها، وبدون التَّفكير بالخَوضِ في مدى قيمتِها العامَّة على أنَّها بغالبها ذات قيمة وعمقٍ وتأسيسٍ وبناءٍ، أم لا، لأقولَ إنَّ الكتابَ والكتابة بخير..‏

وبعيداً عن الرُّوح المتشظِّية لإنساننا السُّوريِّ والعربيِّ عامة، وعن تشظِّي هذه الرُّوح المشغول عليه داخلاً وخارجاً، إلا أنَّني أرى وأحدسُ بأنَّها حالة ومرحلة لابدَّ منها في خضمِّ هذا البحرِ من الهيجانِ والتَّلاطُمِ والتَّحارُبِ والتَّنافسِ والتَّناحُر والكراهية والدِّماء وسحقِ الأرواح، وما نتجَ وينتجُ عنها من تحوُّلاتٍ في نفسيَّة هذا الإنسان وبالتالي الشُّعوب، ومن تغيُّراتٍ ديموغرافيَّةٍ هي الأخطرُ، وجغرافيَّةٍ هي الأكثرُ حساسيَّة وشدة وخطر، إلا أنَّني أعتبرُ ذلك مخاضاً واقعاً لا محالة، والعبرة فيمن رأى العبرة واعتبَرَ، واستشرَفَ فقدَّرَ الخطر، وبادر وعَمِلَ بمسؤوليَّة وشَجَاعَة، على أن يُحْدِثَ تأثيراً إيجابياً لاينحازُ فيه إلا للوطنِ والإنسان..‏

كم استوقفتني تجاربُ غيَّرَتْها مُعطَياتُ الحرب جذرياً، وانطبعت فيها على مستوى الشَّكلِ والصُّورة والمضمون والموضوع والتَّصوير والعبارة، وعلى قيمة الفن والإبداع فيها، متأثرة أم مؤثرة مستشرفة ومستوعبة لما يحدث وما قد يجيء لاحقاً.. هذه سمة الفكر والإنسان المفكِّر الواعي المؤمنِ بإنسانيَّتهِ، ثمَّ بجيناته ومورِّثاتِهِ الوطنية التي تمتد به لما خَضَّبَهُ من ترابٍ عاش به والتصق بطينهِ حدَّ التَّماهي والفداء..‏

ناهيك عن المشاريع المتنوِّعَة هنا وهناك، مشاريعُ ثقافيَّة قرائية فكريَّة تشمل شتى صنوف ومجالات الأدب والفكر والثقافة، بعضها كان موجوداً فازدهر معدنه وأخذ دوره الرائد، وبعضُها تشكَّلَ ونشأ خلال سنواتِ الحرب، والآخرُ تابعَ عمله ولو على تواضع الفكرة والأسلوب والأداء، لكنَّ نشاط الحركة الفكرية والكتابية والثقافية لم يتوقف وهذا الأهم..‏

كثيرون وأنا منهم، ممن يقلقهم طغيان موجة الغث الكثير المتهافت، والذي أثر سلباً بشكل واضح على المستوى الفكري والأدائي والثقافي، لكنني أعوِّلُ في عدم الخوف على المستقبل، وفي تفاؤلي هذا على اصطفائية الزَّمن، الذي لا بد سيحمِلُ في جعبته ماثقلَ وزنُهُ من القيمة والنتاج، وسيذرو هباءً كلَّ ماخَفَّتْ موازينه منهما..‏

كم من كِتَاٍب غيَّرَ مصائر بشرٍ وشعوب، وكم من مبدعٍ وكاتبٍ ومُلْهَمٍ شاعرٍ أيقظ ضميراً لأمم بأكملها وشعوبٍ بأسرها.. أرَاهُ أرَاهْ.. بِأُمِّ رُوحي.. ذلكَ اليومَ الذي سَيَأتي.. فتحدِّث الحركةُ الأدبيَّة فيه عبرَ التَّاريخ عن إنسانٍ واعٍ وشعبٍ حيٍّ عايشَ الذاكرةَ و الوجدانَ و الوطنَ.. ووثَّقَ بأدبه وكتاباته وفكره للأمَّة و رُوحِهَا التي ستبقى متقدةً بالحياة مدَى الحيَاة بفضلِ هؤلاء.. والأدبٍ يبقى ذاكرةَ أمَّةٍ بأجيالِها من انتِصاراتٍ وبطولاتٍ.. وهزائمَ و نكبات.. أدبٍ هوَ الحياة بعينِها.. هوَ الرُّوحُ التي تُبعَثُ مِن صميم الجُرحِ و الألمِ والرَّمَاد.. أدبٍ سيبقَى يُغَذِّي نسغَ الحياة في أمَّة تتألمُ، وشعبٍ يعاني ضميراً لا يموت عاشَ الأدبُ و الأدباء.. والشعرُ والشُّعراء.. والفكر والمفكرون والمثقفون قناديل حقيقة وفنارات هداية.. المجدُ للكلمةِ الصادقة عن ضميرٍ حي ووجدانٍ باذخِ النَّقاء..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية