|
ثقافة الذي قُدّم مؤخراً في دار الأوبرا، عن نص لهنري أوفوري، إعداد: عبد الله الكفري، والإخراج لرأفت الزاقوت. وإن يكن صوت السوسو جاء وسيلة لوضع المتلقي في الجوالعام للعمل، إلا أنه حمل في ثناياه إحالة غيرمباشرة وذكية تنقلك سريعاً إلى أثير الإذاعات المحلية. توظيف متقن وربط مشغول بعناية، يمهدان دون أي فجاجة للبيئة التي تتم فيها ظروف الحكاية، وأحداثها البسيطة، لكنها ذات دلالات كبيرة. للوهلة الأولى.. يمكن ملاحظة طريقة الإعداد، نقل العمل من بيئته الأصلية إلى البيئة المحلية، المسبوكة بحرفية عالية، دعمت بإخراج وأداء مميزين، هي ثلاثية تكاملت عناصرها لتكون الخلاصة عرضاً مضبوطاً بإيقاع كوميدي، لا إسفاف أو مبالغة تشوه مضمونه. الحكاية ببساطة تروي تفاصيل أحد اجتماعات جمعية أدبية (مفترضة) يعقد في منطقة نائية.. أو نامية.. لافرق، لطالما امتلأ العمل بإشارات تومئ بأن كل مايحدث إنما يحدث في بلدان العالم الثالث، والعربية منها على وجه الخصوص. هكذا يتلهى أعضاء الجمعية بكل صغيرة قبل الكبيرة، إن كان ثمة كبيرة في تفكيرهم، وجدول أعمالهم، ليتناقشوا ويختلفوا بل ويتنازعوا حولها، ويصل بهم الأمر إلى التضارب والعراك.. وكأنما الطاولة التي يجتمعون حولها، كبرت واستطالت وعرضت حتى ذكرتنا بطاولات كثيرة تجتمع حولها حشود (العربان). والنتيجة مثلما دخلنا مثلما خرجنا.. لاتغيير ملموساً على أرض الواقع. المفارقة المضحكة الموجعة بالآن معاً، هي نسيج الوهم الذي يعيش له هؤلاء، ويكبل حركة عقولهم.. هم بمنتهى السذاجة يعتقدون أنهم من عُلية القوم.. إذاً ولتشاهدوا كيف لهذه العلية - النخبة أن تتحاور وتتفاهم، وكما لو أنها حقيقة أدنى من أدنى طبقة توجد في مجتمع متقدم. أما المفارقة الكوميدية - قوام العمل- جاءت بنبض الحياة اليومية المعيشة بسيطة، خفيفة، ولا تستجدي الضحكة، بل تنبع هذه الأخيرة منها بكل تلقائية، طوال مدة العرض نستمع إلى ضحكات الصالة، ردود أفعال على المواقف الكوميدية الحاصلة على الخشبة.. طوال ساعة زمنية والضحك شغّال، كتفاعل حيّ بين طرفي العملية المسرحية، لكن دون إسفاف أو تهريج كوميدي. وهو الرهان الذي يكسبه فريق العمل. على المستوى البصري بالنسبة للشخصيات، يرسم رأفت الزاقوت، شخصياته بكل تفاصيلها الصغيرة والدقيقة قبل الكبيرة، يحضر هذه الشخصيات بقوالبها البشرية وينفخ فيها روحاً عبر أصدقائه الممثلين (أحمد ملص، حسام جليلاتي، حسام سكاف، رازميك ديراريان، محمد ملص، وئام اسماعيل..) كركترات تميزت وتمايزت بالظاهر-الأزياء والماكياج- للتنافر بالتالي على المستوى غيرالظاهر، بالسلوك والتصرف، وهنا يصبح مجال المفارقات فيما بينهم أكثر حيوية وانتعاشاً.. وهي اللعبة الإخراجية التي حيكت بمهارة خلقاً لروح العمل القائمة على أسس وجوهر هذا التنافر المحبب المحبوك بألمعية إخراجاً وأداءً. يقول مخرج العرض: ( الجمعية الأدبية عرض أداته الضحك، وغايته خلق حالة من الحوار بين خشبة وجمهور..). العمل يشاكس لخلق أكثر من حالة حوار.. يخلق حالة بل هالة، سؤاله الخاص.. الجميلة التلقائية.. والأهم غير المباشرة. إذ ليس فيه درس وعظي أو تلقيني.. وهو السر الذي ينجح الزاقوت وفريقه بصنعه بكوميديا تمتهن وتحترف الضحك الذي يخبئ وراءه النبش في عمق الوجع.. |
|