|
صفحة ساخرة وهو أول من صنع قلم الحبر المداد الذي يملأ مداداً فيخدم زهاء شهر لا يجف، واخترع آلة تشيل الحجارة الثقال، مما سبق أن أشار إليه الزميل محمد قاسم الخليل، وهناك صاعد الرحبي الطبيب الذي ذكره ابن أبي أصيبعة، وصاعد بن محمد الفقيه الحنفي النيسابوري، وصاعد بن يحيى الطبيب البغدادي، إلا أن ما يعنينا هنا في هذه الصفحة، هو صاعد الربعي الذي لفت نظر المؤرخ الدكتور شاكر مصطفى، وأشار إليه خير الدين الزركلي في «الأعلام» ذاكراً سنة وفاته فقط (417هـ = 1026م). على كل حال، إذا لم يكن صاعد هذا، هو أول سفير للثقافة المشرقية في الأندلس، فلا شك أنه كان مثل الكثيرين الذين خانهم الحظ في النجاح والتوفيق هنا، فراحوا يبحثون عنه هناك.. في ذلك الجزء من شبه جزيرة ايبريا. من الموصل .. إلى بغداد لقد نشأ صاعد البغدادي وولد في الموصل، واسمه الكامل: أبو العلاء صاعد بن الحسن بن عيسى البغدادي الموصلي الربعي، نسبة إلى ربيعة بن نزار. شب في الموصل حيث تلقى معارفه وعلومه على أيدي المشاهير في زمانه، وقد دفعه طموحه، بعد أن استكمل عدته الأدبية نحو بغداد، وكانت يومها عاصمة العباسيين ومنارة حضارة عالمية.. وعلى الرغم من اتصاله بالأجواء الأدبية والثقافية فيها، فإنه لم يلمع.. ولم يلفت الانتباه إليه، ذاك أنها كان متخمة بالأدباء والمفكرين والشعراء، ولا مكان فيها إلا للقادرين الكبار، هؤلاء الذين يستطيعون أن يأتوا بجديد، يهز النفوس والعقول. في الطريق إلى الأندلس وهكذا توجه صاعد نحو الأندلس، زمن الخليفة هشام الثاني الملقب بالمؤيد، وكان هذا في الثانية عشرة يوم آلت إليه الخلافة، فكانت أمه «صبح» وصية عليه، وعن طريقها وبرعايتها تسلل إلى سدة الحكم مغامر عربي الأصل هو محمد ابن أبي عامر المعافر اليماني(1)، وكان ذلك عام 366هـ - 976م، وفيما كان هذا الخليفة الحدث يمارس اللهو، كان ابن أبي عامر قد أصبح الخليفة غير المسمى. صاعد ينافس القالي قبل تلك الأيام بقليل، كان أبو علي القالي قد وضع كتابه المشهور: «الأمالي» للحكم بن عبد الرحمن الناصر، والد المؤيد.. وعندما وفد صاعد إلى الأندلس واتصل بابن أبي عامر، الشهير بالمنصور، فإنه أكرمه وقدمه، وأحب أن يطمس به آثار أبي علي القالي، فكان أن كلفه بوضع كتاب على غرار الأمالي، وعندئذ ثار كبرياء صاعد البغدادي، وقال مخاطباً الأمير المنصور: في استطاعتي أن أملي كتاباً أجل منه وأعظم، لا أورد فيه خبراً مما أورده القالي. في الماء وهكذا وضع صاعد كتاب «الفصوص» فنال إعجاب الجميع وأثابه المنصور عليه بأن أعطاه خمسة آلاف درهم دفعة واحدة. ولقد أوغرت هذه الجائزة تعطى لهذا الوافد، صدور الحساد من المحيطين بابن أبي عامر المنصور، فراحوا يغمطون الكتاب حقه، وينالون من قيمته الأدبية، حتى إن الأمير ألقى به في الماء، فقال ابن العريف، وهو أكبر حاسدي صاعد: قد غاص في النهر كتاب «الفصوص» وهكذا .. كل ثقيل .. يغوص فضحك المنصور والحضور، غير أن صاعداً، وهو شاعر قبل أي اعتبار رد مرتجلاً: عاد إلى معدنه إنما توجد في قعر البحار الفصوص صاعد يتنطع لمختلف المسائل على أن ظرف صاعد إنما يتجلى، في بديهته الحاضرة وتنطعه إلى مختلف المسائل، سواء ما عرف منها أو لم يعرف.. حتى إن ابن بسام في كتابه «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» قال عنه: «كان أحضر الناس شاهداً، وأرواهم.. لكلمة غريبة، لكنه كان يستغل سرعة خاطره، ومواتاة بديهته، فلا يتردد في أن يجيب عن أي سؤال يعرفه أو لا يعرفه، وقد يبتدع الشعر ويبتكر الحادثة ويختلف الخبر إن أراد الجواب». الهوامش: (1) الأندلس في التاريخ - تأليف: د. شاكر مصطفى - منشورات وزارة الثقافة - دمشق - 1990 - ص 52. |
|