تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الدكتور عفيف البهنسي في «حكمة العروبة» لكي نتحاور يجب أن نعرف من نحن.. ومن هو الآخر !

كتب
الأربعاء 13-3-2013
د. سائد سلوم

« حكمة العروبة» كتاب جديد للأستاذ الدكتور الباحث عفيف البهنسي, صادر عن دار الشرق للطباعة والنشر في طبعته الأولى, أراد المؤلف في كتابه هذا أن يقدم خلاصة علومه ومعارفه وأبحاثه في الحق والخير والجمال,

التي تجاوزت الثمانين مؤلفا, فكانت رؤيته موسوعية شاملة لإظهار مقومات العروبة عبر التاريخ القديم والحديث فالمعاصر حتى تتبدى في هذا الكتاب حكمة المؤلف في حكمة العروبة.‏

استهل مقدمة هذا الكتاب الدكتور نبيل طعمة بتقديم إشراقي لمعادلة المفكر الحكيم العربي بقوله: يشرفني أن أقدم لكتاب الباحث المفكر الدكتور عفيف بهنسي (حكمة العروبة) التي أؤكد أنه امتلك طرفي معادلة الحكمة والعروبة المتأصلة في جوهره بكونه عربي النشأة والهدف, ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً عظيماً , وحينما نخوض غمار ما خطه تحت عنوانه القيّم نعلم الكثير مما امتلكه من فكر وحكمة, غايته إرخاء ظلال المعرفة التي تؤدي وظيفة النهوض بإنساننا العربي أينما وجد على جغرافيته.‏

يتألف الكتاب من عشرين فصلاً يتناول فيها الدكتور بهنسي العروبة كهوية ثقافية حضارية تميزأمة من الأمم بفكرها وتاريخها من عدة جوانب كالعروبة والآخر, ومقام التراث والهوية, والعلمانية واللغة في التفكير والتفلسف, والعروبة والنظام العالمي وعلاقته بالاقتصاد والإعمار وارتباطه بجمالية عربية متميزة بسمات خاصة.‏

ينطلق المؤلف من مقال العروبة في تحديد مصطلح(عربي) فيقول: «إنه يعبر عن هوية ثقافية وعن صفة ذاتية حضارية , حيث لافرق بين مفهوم القومية ومفهوم الحضارة, الأولى: تعبر عن الذاتية الثقافية, والثانية: تعبر عن ثقافة محدودة مشخصة بآيات مكتوبة أو منقوشة أو مرسومة, فالكيان العربي هو كيان ثقافي موحد تاريخياً وفكرياً, وصفة العربي هي لتحديد هويته الثقافية”.‏

وفي الفصل الثاني يتناول المؤلف العروبة ورؤية الآخر « فمن حسن حظنا أن تاريخ الحضارة الإنسانية قد ظهر لأول مرة في العالم ونما وتطور على أرضنا الواسعة, وأننا نحن الذين صنعنا هذه الحضارة التي أخذت بالنمو والتطور عبر تحولات كثيرة تركت آثارها واضحة على أرضنا. وقد حملت الآثار خصائص متميزة موحدة عبر التاريخ حددت معالم الهوية القومية من خلال اللغة والفن والعمارة والعقيدة.. التي انتشرت في أنحاء العالم عبر حركة الترجمة والاقتباس من العربية ولا سيما إلى اللاتينية والاسبانية وأثرها في ثقافات الحضارات الأخرى..‏

ويعترض المؤلف بهنسي على بعض المؤرخين الذين أطلقوا تسميات مختلفة على الحضارات في المنطقة العربية باعتبار بعض هذه التسميات لاتعبر عن الحقائق حيث إن” استعمال مصطلح عربي للدلالة على مجموعة سكان المدن المتحضرة يبقى أصدق تسمية لغوية وليس عرقية, كبديل عن تسمية السامية التوراتية والتي لم تصمد أمام خطل تصنيف الأمم في التوراة والذي أدخل الحثيين مع الأسرة السامية وأخرج الكنعانيين” ص26.‏

ومما جاء في فصول هذا الكتاب مسؤولية الفكر، فالمؤلف يؤمن بالعقل للتفاعل مع الحضارات الأخرى، وضرورة العقل ضرورة حتمية لبناء الانسان إلاأنه «لا يكفي أن يكون العقل منفرداً جاهزاً وتصاعدياً لممارسة التفاعل مع الطرف الافقي، بل لابد من تضافر العقول الصاعدة لتحقيق تفاعل أفضل مع مجموعات متنافرة بطبيعتها هي التي أسست الطبقة الافقية في الوجود» كما يقول المؤلف.. ص76.‏

والعروبة أمة سار فيها « الفكر التوحيدي وفق منحى تصاعدياً لقيامه على العلم والعمل والتطور والتقدم.. وتجعل التصاعدية بوصفها السمة التي تتجلى في العمل القدسي من الفكر التوحيدي فكراً متسامياً، سواء من الناحية الأخلاقية، أم من الناحية الإبداعية، فعملية الإبداع الفني ليست لعباً أو لهواً، وليست مهارة أوتحدياً، بل هي عمل جاد يتضمن معنى الايمان ، وجميع الآثار الفنية التي استوعبها الفن الاسلامي تنضح بالصلاة والدعاء والسعي المستمر باتجاه المطلق» ص88.‏

كما يتناول المؤلف بهنسي مفهوم السلفية فيحددها بنوعين: سلفية محافظة على ظواهر النصوص الدينية بوصفها شريعة العرب والمسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل، وسلفية مستنيرة تأخذ من أصول الدين ما يبتعد عن التزمت والخرافة، وتحارب الشرك وتقاوم فساد الأخلاق والانحراف عن الدين، كما يبدو من آراء جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده الذي نادى باستيعاب ثقافة العصر وصبها في قالب إسلامي» ص94-95.‏

وفي الطرف المقابل نجد النزعة العلمانية «وقد ظهرت منذ عصر التنوير حيث حلّ العقل محلّ العاطفة، وحلّ العلم محلّ السحر.. واعتماد العلم والتقنيات لبناء دولة عصرية متطورة اقتصادياً وثقافياً وإدارياً..».‏

كما يعمد المفكر بهنسي في الفصل العاشر من هذا الكتاب إلى الحفر في أعماق الفكر العروبي ليستخلص موضوع الحقيقة التي طالما شغلت العلماء والمفكرين في العلوم اللاهوتية والرياضية.. فيقول « اعتمدت العقيدة على عقل الانسان في ممارسة مسؤولياتها، إن أول ما خلق الله خلق العقل وجعل الانسان خليفته في الأرض، إن هذه المسؤولية في تحمل الرسالة هي عين ما ينادي به أصحاب الفلسفات المعاصرة، فالمسؤولية ليست مسؤولية عبادة بقدر ما هي مسؤولية عمل وإبداع» .‏

ويستعرض المؤلف جملة من الأسماء في التاريخ العربي ممن وقفوا على حدود العلم والحقيقة مثل: الحسن البصري الزاهد المتقشف وتلميذته رابعة العدوية التي أمضت حياتها ملتصقة بالحب الالهي، والغزالي حجة الاسلام الذي «جعل الصوفية مقبولة بصورتها المعتدلة، وكذلك الشهاب السهروردي صاحب كتاب (هيكل النور)، أما محيي الدين بن عربي فلقد ابتدأ كتابه (فصول الحكم) بالكلام عن الحكمة بوصفها حقيقة الحقائق ومبدأخلق العالم» ص123.‏

وفي فصل العروبة والعقل يتناول المؤلف جدلية الحوار مع الآخر عبر الأنثربولوجيا والآخر «ولعل من أهم أسئلة علماء الأنثربولوجيا السؤال الآتي: كيف تترابط الشعوب مع بعضها في العالم؟ وكيف تتحاور؟ ويبدأ الجواب بنقطة هامة، وهي لكي نتحاور يجب أن نعرف من نحن، ثم يجب أن نعرف من هو الآخر، ويصدر هذا الجواب عن القناعة بأننا لن نكون بشراً مالم نحقق حواراً ومعاشرة مع الآخر، بدءا من المجتمع الصغير إلى المجتمع العالمي الكبير»ص139.‏

وفي الصراع وجدلية العولمة حيث سقطت مقولة صراع الحضارات التي تصورها هنتغتون وهلّل لها كثيرون ، وبرزت بوضوح حقيقة الحرب التي تريد أميركا أن تتابعها ضد ما أسمته بدول الشرّ: العراق وإيران وكوريا الشمالية..‏

وفي الفصل السابع عشر، يتناول الدكتور بهنسي العروبة والجمال، من خلال الجمالية العربية الاسلامية التي كان قد ألّف فيها كتباً وأبحاثاً عديدة، فيؤكد أن آبا حيان التوحيدي الأديب والحكيم والفيلسوف هو رائدها الأول، كما يتطرق هذا الفصل أيضاً لمجموعة مباحث كإشكالية التشبيه الجمالي وفلسفة الجمال العربي، وتعريب الفن الوافد، والإبداع والفن العربي ثم القومية والتاريخية..‏

في الفصل الأخير من الكتاب يتحدث المؤلف عن العروبة والمستقبل تحت مجموعة عناوين: العروبة والوحدة الحضارية، العروبة والمعاصرة، حيث إن الدعوة إلى الأصالة هي دعوة إلى الانتماء القومي، وبقدر ما نسهم في فهم الحضارة وبنائها نسهم في بناء الشخصية القومية «فمازال الشعور القومي الشعبي أكثر قوة وتماسكاً ومسؤولية في مجابهة الغزو الثقافي الأجنبي والاحتلال الصهيوني لقلب الأرض العربية فلسطين، ورفض أي حالة تطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب والذي شتت الشعب العربي خارج أرضه وبيته وحقه التاريخي... ولا نستطيع تحقيق مستقبل العروبة مالم نوظف هذه الانتماءات في دولة عربية ذات سيادة على أرضها ومصيرها».‏

وهكذا يجد القارىء في ثنايا هذا الكتاب مبادىء الحكمة وأساسياتها الأولى التي تجعل من العروبة وحدة حضارية ثقافية تتبدى من خلالها حكمة المؤلف وجمالية خبرته المديدة في البحث والتأليف رالترجمة والنشر .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية