|
مجتمع كبر أولادنا مع أحداث سورية وأزمتها وازدادوا وعياً بقيمة الوطن الآمن وفي كل صباح يسألون متى ستنتهي هذه الأزمة؟ في كل صباح يعيشون تفاؤلاً وفي كل صباح يشرقون مع الشمس ويستبشرون خيراً مع قدوم الربيع. أولادنا - ولن نأتي بجديد- إن قلنا إنهم شعروا أن المدرسة كانت أحلى من اليوم فعدد الطلاب في الشعبة الواحدة بات لا يقل عن الأربعين وعاشوا نصف يومهم وهم يشعرون بالبرد، فمعظم الأيام دون مدفأة لأن المازوت غير متوافر وهم لا يرون جيداً ما يكتب على اللوح، فالكهرباء مقطوعة معظم الوقت، لكن المفاجأة أن نور وهي طالبة في المدرسة في الحادي عشر طلبت مني منذ أيام أن آخذها في مشوار وسأقول لكم إنها كانت تعاني من أعراض الرشح والبرد ووصلت إلى مرحلة المرض وكنت أطببها شعبياً بالزهورات والنعنع فضحكت وقلت تريدين مشواراً؟ إلى أين؟ هل تذهبين إلى بحر اللاذقية أو إلى متاحف تدمر؟ وفي كل اقتراح إحساس بالحسرة على كل مكان خرّب في سورية.. أما هي فكانت تنظر شزراً إلى مقترحاتي وهي تعني بنظرتها أنها تدرك جيداً أنها لا تستطيع أن تذهب خارج حدود حيها ومدرستها وبعض رفيقاتها، فلماذا تذكر لها أمها هذه الأماكن قالت نور: أريد مشواراً أستمتع به بالثقافة تقصدين إلى المركز الثقافي؟ وهل يوجد غيره. أريد أن أحضر أمسية موسيقية، أن أحضر معرض رسم ومع أني أكره المحاضرات لكن إن كانت تحكي فناً إنسانياً فسأحضرها قالت: أريد أن أرى الناس تعيش حياة طبيعية، حياة تحاكي أعمارنا. تذكرت نور أنها كانت تحضر معظم أمسيات الموسيقا لأنها مولعة بهذا الفن وأنها كانت تعود إلى بيتها مع صديقاتها في التاسعة أو العاشرة مساء دون أن تحسب حساباً لقلق في عيون أسرتها أو تساؤلاً عن سبب تأخرها. كانت سعيدة في إطلاق ساقيها للمشي ساعة الغروب على طريق يكاد يخلو من الناس وتفتح صدرها لنسيم يعبق برائحة الأرض والعشب الأخضر تعيش مع غيوم بيضاء أو تسرح في السماء وأحياناً تعيش مع المطر الهاطل كالرذاذ وتعود مبتلة متمنية لو أن مشوارها طال أكثر. بالرغم من أن معهد الموسيقا الذي تتدرب فيه كان بعيداً عن بيتها إلا أنها كانت تذهب وتعود وحدها اليوم هي مقيدة حيث يجب أن يرافقها والدها أو أخوها أو أمها ومع أن رفقة هؤلاء غير سيئة بالنسبة لها لكنها تشعر بالخوف من أن أمراً ما سيحدث إذا لم يرافقوها لذا فهي تنصاع لهذه الرغبة. اليوم يجب ألا تتأخر نور عن البيت بعد الخامسة مساء، وقبل غياب الشمس يجب أن تكون مزروعة في غرفتها حيث لا مشوار بعدها شأنها في ذلك شأن إخوتها الصبيان. قلت لها: لكن المركز الثقافي متوقف عن النشاطات وحيث تقول من سيحضر النشاطات وأرض سورية مازالت تشرب من دماء أبنائها من سيحضر نشاطاً ثقافياً وفي كل بيت شهيد؟ من سيحضر والأمهات ثكالى والأولاد يتامى؟ قالت نور: ما يقولونه صحيح، لكن الحياة مستمرة، نعم الحياة مستمرة وليعمل كل ما يستطيع فعله، لأننا في توقفنا عن النشاط موت معلن وموت حتمي. شبابنا يستشهدون في سبيل الوطن، كي لا تتوقف الحياة فيه فهل نبقى صامتين؟ والعمل ليس دليلاً على الفرح ولا السباحة عكس التيار إن العمل دليل حياة. ونور تريد من الجميع أن يعمل وإلا فإن الجميع لن يشهد ربيع العام هذا ولن يستمتع بلون اللوز وهو يتفتح ولن تعلن له الحياة مولدها فلتعزف موسيقا الأيام حزناً وفرحاً ولتشرق الشمس وتغرب وليمد البحر ويجزر فنحن باقون على هذه الأرض بجفافها قبل عطائها وخريفها قبل ربيعها وستبقى مريم وزينب وفاطمة ونور وطناً وفي قلب وطن، وهل يعيش الوطن دون قلوب تنبض؟؟ |
|