تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دول الطوائف .. جوهر مشروع الشرق الأوسط الجديد

شؤون سياسية
الأربعاء 13-3-2013
د. رحيم هادي الشمخي*

تواجه الأمة العربية في هذه المرحلة من تاريخ وجودها أشرس مؤامرة استعمارية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني والمرتزقة من العرب والحاقدين على القومية العربية من الشعوبيين، ويأتي مشروع الشرق الأوسط الكبير

الذي وضع  أهدافه المعادية للعرب المحافظين الجدد والأمريكيين الصهاينة، لطمس الهوية العربية وقتل العقل العربي المتطلع نحو إقامة قاعدة علمية لكي يعتمد الإنسان العربي على نفسه في بناء مجتمعاته المتطلعة نحو الحضارة والتقدم دون الاعتماد على غيره من دول العالم، وينهي وإلى الأبد التبعية المستمرة للدول الاستعمارية التي نهبت ثروات الوطن العربي، وأقامت قواعد عسكرية معادية لتطلعات شعوب المنطقة العربية.‏

إن من يتتبع الأهداف المرسومة لمشروع الشرق الأوسط الكبير يجد في قراءة هذه الأهداف ليس فقط احتلال العراق ولا تدمير وحرق ليبيا الدولة، ولا المؤامرة الكبرى على سورية العربية من قبل حكام تركيا والسعودية وقطر، بل وحتى ما يحدث في مصر وتونس، إنما يتعدى هذه الأحداث الساخنة إلى أبعد من ذلك من مخاطر تهدد الأقطار العربية، وحتى التي تقف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها المتورطين في هذه المؤامرة، فهم مهددون آجلاً أو عاجلاً أن يقفز فوق ظهورهم هذا الثور الأمريكي الهائج ليحقق مقولة بن غوريون عندما قال في مؤتمر بازل  (سنجد لإسرائيل ملاذاً يحميها في كل بقاع العالم)، ولذلك تشير الدلائل السياسية التي تمر بها المنطقة العربية، وبصورة خاصة ما يجري في سورية العربية الآن من حرب مفروضة عليها من قبل الإمبريالية والصهيونية العالمية؛ إن الولايات المتحدة الأمريكية تريد القضاء على آخر قلعة من مراكز الثورة العربية، وهذا ما يذكرنا بالحديث الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر عندما زار تركيا عام 1977 بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد، من قبل أنور السادات، ما مفاده (أن دمشق تمثل مفتاح  انفراج الأزمات في الشرق الأوسط)، ومن هنا فإن المؤامرة الأطلسية الأمريكية على سورية واحدة من أهداف المشروع الإمبراطوري الأمريكي،  لكن الصمود الأسطوري السوري أيقظ الروح القومية وأجج مشاعر المواطن السوري دفاعاً عن وجوده وكرامته وأرضه ولتبقى سورية حاملة للمشروع القومي العربي من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي، وبهذا راحت الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن وسائل جديدة لتنفيذ كامل أهداف المشروع (الشرق أوسطي)، فقامت بإلغاء الحراك الاجتماعي وفاعليته السياسية وعدم قدرته على إنتاج القادة السياسيين وكما يقول الكاتب الإسرائيلي شيلمون عوز (لا زلنا بانتظار  من يحكم العرب من قادة، هل هم دينيين أم قبليين)، وترى الولايات المتحدة الأمريكية أن الأقطار العربية في آخر المطاف تتحول إلى دويلات طوائف ويعزز هذا القول ما نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت يوم 5/3/2007 عندما قالت (سوف يعود العرب إلى دويلات الطوائف كما حدث في الأندلس)، وتسعى إسرائيل إلى بسط نفوذها السياسي والاقتصادي في المغرب العربي لنشر ما جاء في كتاب (الإسلام الجديد) الذي ألّفه شمعون بيريز عام 1979 حول حذف ما اسماه بالخرافات الدينية التي وردت في (القرآن الكريم) من سور مثل (كنتم خير أمة أخرجت للناس ومما تجدر الإشارة إليه أن فكرة مشروع دويلات الطوائف قد اختمر في ذهن الأمريكان والكيان الصهيوني بعد احتلال العراق عام 2003 وهذا ما جاء في ما يسمى بلائحة (بايدين) نائب الرئيس الأمريكي الحالي عندما قسّم العراق إلى ثلاث مناطق طائفية وهي نواة لمشروع دويلات الطوائف المزمع إقامتها في لبيبا وتونس ومصر وسورية والسعودية لتبقى إسرائيل  دولة عظمى في المنطقة العربية، وتتحول الأمة العربية إلى دويلات طائفية وعرقية لا حول لها ولا قوة في ظل النظام العالمي الجديد وتتحول ثروات الوطن العربي إلى بنوك الدول الاستعمارية، وعندها يفقد العربي قوميته ودولته وهويته ويفقد كل قطر عربي إطاره السياسي الذي يبقى دون حوامل اجتماعية وتصبح العلاقات الطائفية في دويلات الطوائف هي التي تتحكم حتى في خدمات المجتمع حيث تبقى الأوضاع متداخلة، وبذلك فإن المشروع الأمريكي لإقامة دويلات الطوائف في الوطن العربي الغرض منه تمزيق العلاقات بين المجتمعات العربية وإضعافه مما تحدث في هذه المجتمعات  من ممارسات تصبح تعبر عن السلوك المصلحي في شكله الغريزي مما يسبب ذلك أيضاً في تفتت النسيج الاجتماعي، ويرى الكاتب الإسرائيلي دوف فايسفلاس مدير مكتب شارون (إن تقسيم الدول العربية إلى دويلات طوائف ضرورة حتمية اجتماعية للحفاظ على بقاء إسرائيل من الخطر القومي)، ومن هنا فإن الخطر الذي يهدد العرب في القرن الواحد والعشرين هو تنفيذ هذا الهدف الذي يفوق كل الأهداف الاستعمارية في المرحلة الراهنة ويتجاوزها إلى الهوية العربية وشطب التاريخ العربي وقيمه وحوادثه البطولية وما قاله المفكر الأمريكي  المرموق مايكل كولينتز  بايسير (تتطلع الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل إلى تفتيت الوطن العربي لدويلات طائفية وعرقية، مثلما حدث للدول العربية في الأندلس من مآسي وأحزان عمت غرناطة وإشبيلية وقرطبة، فالزائر لا يرى من رموز العرب إلا تمثال ولادة بنت المستكفي وابن زيدون).‏

والذي نريد أن نقوله للعرب العاربة والعرب المستعربة، الخطر قادم عليكم جميعاً وعدوكم واحد (أمريكا وإسرائيل) ومن معهم من أوروبيين حاقدين على عروبتكم وقيمكم ومعتقداتكم، وما الهجمة الشرسة على سورية العربية إلا امتداد لهذا الخطر القادم، وهو شرف عظيم للعرب أن تحمل سورية راية القومية العربية دفاعاً عن العرض والشرف والوجود العربي في كل أنحاء الدنيا.‏

 أكاديمي وكاتب عراقي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية