تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


النيوليبرالية..عندما تغزو أوروبا؟!

ايمانيتيه
ترجمة
الأثنين 6-8-2012
ترجمة: سهيلة حمامة

حيال عجز السياسات الأوروبية التقشفية الواضح في تعزيز شروط النمو، تتجه السلطات الأوروبية وضمنها البنك المركزي الأوروبي نحو إحداث انقلاب في السياسة الاقتصادية ركيزته الأساسية

خطة نمو جديدة إن هي إلا خطة «مارشال» ولكن بحلة جديدة هذه المرة بهدف انقاذ القارة العجوز.. يا لها من صفقة!!‏

من الأهمية بمكان التنكر التام لتلك النظريات التي يدعيها الفكر السائد في القارة، وذلك تحسباً من الوهم الذي يسعى الفكر إياه التلطي خلفه لمخاتلة الرأي العام بل وخداعه.. المشروع الأوروبي المنتظر يندرج بالكامل في إطار استمرارية السياسات النيوليبرالية التي ساهمت إلى حد مثير في إغراق القارة في أوضاع كارثية شتى، في الوقت الذي تدعي قدرتها في هذه الآونة، على إخراجها منها.. ذلك لأن الحقيقة الساطعة هي التالية: الفكر العقائدي أشرف بنفسه على رعاية أخطر الأزمات الاقتصادية في التاريخ المعاصر، و مع ذلك بقي هذا الفكر قائماً و مقتصراً على توزيع الإيعازات والتوصيات بالمجان، مع احتفاظه حالياً، بحق الادعاء بتوفير كل الحلول الناجعة..!!‏

ففي حال أفضت سياسات أوروبا التقشفية وتدهور رؤوس الأموال الأوروبية إلى خسائر فادحة. يجب علينا حينئذ الالتفات إلى وجوب «إطلاق أو إحياء» النيوليبرالية..‏

ما المقصود من هذه العبارة؟ ما الأمر الذي تجهد «الإصلاحات الهيكلية» الشهيرة إلى حجبه و إخفائه، في الوقت الذي هي بأمس الحاجة للمسة انتعاش و ازدهار..؟!‏

ما الذي تحاول نظرية كينس الممسوخة إخفاءه (هي القائلة بضرورة التدخل الرسمي في سبيل إنماء الإنتاج و الوظيفة، أي جعل أسواق العمل أكثر مرونة، و تكلفة العمل أقل بكثير وذلك تلبية لمتطلبات «التنافسية الدولية»، تماماً كما دافعت عن ذلك أساساًَ أنجيلا ماركيل و الحقوق الأوروبية كما ينبغي من الجانب الآخر، ضرورة استخدام رأس المال الأوروبي (صندوق الاستقرار و البنك الأوروبي للاستثمار) لإعادة تنشيط ديناميكية الاستثمار الخاص (الأمر الذي استماتت كل من حكومة ألمانيا وفرانسوا أولاند في الدفاع عنه).. وبالطبع يسعى هؤلاء معاً لتعزيز برامج التقشف المدرجة في اتفاق الموازنة الأوروبية..‏

بمعنى أنه في حال لم يأخد «الخبراء» الأوروبيون في حسبانهم عجز الميزانية إثر فشلها في التغلب على تدهور رأس المال العام، والركود الاقتصادي، وما تطلب ذلك من سنين طويلة شاقة مفعمة بالشدة و معاناة التقشف، وتسلط الكارثة خصوصاً على الميزانية ناهيك عن نمو تربة ملوثة تمهد لبزوغ وتفشي العنف في كل مكان..‏

وهنا نطرح تساؤلاً: متى تنتصر أو تتغلب البداهة على الإيمان العقائدي لحكوماتنا و«خبرائها»؟ هل غشيت أبصارهم إلى درجة لم يتمكنوا معها من تلمس الغطاء الكثيف الذي خلعته تلك السياسات على مجالي الاستثمار و الاستهلاك الخاص، و هل افتقدوا ميزة تحسس حماقة التعزيمات لصالح الاستثمار الخاص حين لن يكون بوسع المستثمرين القيام بشيء سوى ابتلاع المزيد من الهم و القلق جراء تدني الإنفاق المنزلي، و تقليص النفقات العامة في أرجاء أوروبا عموماً؟ و هنا نتساءل: ألا يفسر افتقاد هؤلاء لرؤى صحيحة.عجز أنظمتهم في زيادة الضمانات للاقتصاد رغم الايعازات والتمويل الاستثنائي مرة ثانية من قبل السلطات النقدية؟‏

ولعل الاقتراض من الأسواق، استناداً إلى وثبات اليورو و إن بطريقة غير مباشرة، بهدف التقليل من كلفة تمويل الاستثمارات العامة، و تحفيز الاستثمار الخاص يمثل معونة هشة ضمن سياق الحد من المساهمة العامة الجلية لتلامس فقط حدود الطلب الإجمالي الوضيع، وقد يكون أكثر ما تتجلى ميزات وثبات اليورو في تخفيف العقوبات على الأسواق في إطار عمليات تمويل الديون العامة المعلنة بوضوح كبير، و هنا لا يفترض بنا بالطبع الانتظار حتى يحين الوقت لتحفيز النشاط الاقتصادي في سياق الإجراءات التقشفية المعممة على الموازنة..‏

كما وتتجلى فوائد وثبات اليورو في الضرائب المتوجبة على العقود المالية و ما تخلفه من ميزات جمة تتبلور من خلال الدفع و بقوة باتجاه «إصلاحات هيكلية» من غير توفر إمكانية خفض الأجور والقدرة الشرائية اللذين يساهمان بدورهما في التقليل بشكل أكبر على الطلب الداخلي وبالتالي الحث على المزيد من الاستثمار..‏

يبدو أن التنافسية سوف توفر لنا في نهاية المطاف الملاذ الآمن.. و السؤال المطروح: ما الفائدة المرتقبة منها جراء تقليص تكلفة الأجور عند تعميمها على الاتحاد الأوروبي بأكمله؟‏

انطلاقاً من هذه اللعبة، تكمن الإجابة في تجاهل أنه حتى أولئك الأكثر صلاحاً ودهاءً لن يفوزوا بحصص إلا من خلال سوق إجمالي أصيب بضمور شديد..‏

بيد أن الأمر الأشد خطورة هو في أحد مفاهيم الفكر العقائدي، القائل بأن الأسواق ليست بحاجة إلى شيءسوى إلى المنافسة لتحريك العمل في أوصالها، ناهيك عن أن هذا الفكر، وللأسف، قد عزا مناهج تعليم الاقتصاد في العالم الغربي برمته..‏

قد تكون فكرة «إطلاق نظرية كينس، عام 1970-1980» اصطدمت حقيقة بضغوطات خارجية بشكل منهجي تقريباً، لكن الأمر لا يعني بأي حال فشل النظرية القائمة على فكر يتيح بالعكس، تسليط الضوء على مسألة «الإنعاش المتفرد» في سياق سعر الصرف الصارم..‏

فيا أيها السادة «الخبراء» ومستشارو الملوك و الرؤساء ..قليلاً من الدوغماتية ( اليقينية) وأكثر بقليل من الحقائق التاريخية، ذلك ما نطالبكم به..‏

ملاحظة: الدوغماتية: مذهب فلسفي قائل بأن قوى الإنسان العقلية قادرة على بلوغ الحقيقة إذا اعتمد على هذه القوى بطريقة منهجية، أي (التسليم دون تمحيص)‏

 أنجيل أزينيو - أستاذ اقتصادفي جامعة باريس‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية