|
شؤون سياسية وما يمكن أن يكون عليه سلوكه بعد مغادرة البيت الأبيض في المستقبل , سواء كان هذا المستقبل بعد شهور أو بعد دورة رئاسية ثانية . كثيرون في العالم العربي والإسلامي افترضوا عند نجاح باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأمريكية أن يكون هذا الرئيس أقلّ عدوانية تجاه العالم العربي والإسلامي من سلفه الجمهوري جورج دبليو بوش الذي كان قد شنّ حربين احتل فيهما أفغانستان والعراق . وهذه الفرضية بنيت بطبيعة الحال على كون هذا الرئيس الجديد آنذاك يجيء من خلفية إفريقية أولاً وإسلامية ثانياً حتى وإن كان قد اعتنق الديانة المسيحية متخلياً عن ديانة أبيه وأجداده, مفترضين أن « العرق بيجبد » أو أن « العرق دسّاس » وأنه لا بدّ لخلفية عائلته الإسلامية والإفريقية من أن تؤثر على مشاعره تجاه المسلمين , ومن ثم على قراراته . ثم إن أوباما كان خلال حملته الانتخابية قد أجزل الوعود في ألا يسير على خطا بوش , وأن يعمل على إعادة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم . وقد رأينا كيف أن لجنة جائزة نوبل سارعت إلى منحه مقدماً جائزة نوبل للسلام , وكأنها تفترض سلفاً أنه سينفذ السياسات الأكثر سلمية التي وعد بها , ولم تنتظر لتراه يفي عملياً بتلك الوعود , ولو أنها انتظرت فلعلها ما كانت لتمنحه تلك الجائزة رغم الاتهامات التي يسوقها الناس إليها بالتحيز لجهة ما في اختيار الفائزين بالجائزة , وتحديداً بالتحيز لليهود الصهاينة . ومعروف أن أوباما التزم طوال الوقت بتلبية كل رغائب وأهواء الصهاينة . الآن , وبعد الأحداث التي شهدها العالم العربي والإسلامي خلال العامين 2011 و 2012 , ظهرت لسياسة باراك بن حسين أوباما ملامح معينة تستوجب الوقوف عندها بتمعن . وأبرز هذه الملامح أمران : - الأول : ذلك التحالف الخفيّ الذي ما لبث أن صار علنياً بين إدارة أوباما وبين بعض الجماعات الدينية والسلفية في العالم العربي والإسلامي , وخاصة مع جماعة الإخوان المسلمين . وهو التحالف الذي كان سيمون هيرش قد كشف عن بعض ملامحه . وهذا التحالف بات مكشوفاً الآن ومعلوماً في ضوء العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة وبين الإخوان المسلمين ومن في حكمهم من الحركات السياسية الإسلاموية في كل من تونس وليبيا ومصر وسورية وتركيا وأماكن أخرى . وقد لعب نظاما البدْوقراطية الأكثر تخلفاً في مملكة آل سعود ومشيخة قطر دور العرّابين لهذا التحالف إلى جانب تركيا أردوغان . - والثاني : وهو الأخطر , أن نجد الولايات المتحدة تعتمد علناً على تنظيم القاعدة بكل صوره وأشكاله كأداة تعمل في خدمتها , بعد أن كان شعار السياسة الأمريكية – وخاصة في عهد بوش الابن وبعد أحداث 11 أيلول – يتمثل في محاربة الإرهاب الدولي الذي تمثله القاعدة وتعبئة دول العالم في هذا الاتجاه . فمن يلحظ الدور الذي لعبته القاعدة في خدمة واشنطن وأتباعها خلال الفترة الأخيرة يشعر وكأن باراك بن حسين أوباما اغتال أسامة بن لادن ليحل محله في قيادة تنظيم القاعدة !! . ومن يدري , فلعل أوباما بعد انتهاء رئاسته للولايات المتحدة يطلق لحيته على طريقة السلفيين ويلبس جلباباً قصيراً على طريقتهم أيضاً ويتخذ لنفسه مقراً سرياً ما ليتابع من خلاله قيادة الإرهاب « الحلال » طالما أنه بات معلوماً تبنّيه لهذا الإرهاب حتى من موقعه كرئيس لأميركا!! . إن هذين الملمحين أو البعدين في سياسة أوباما ينطويان على خطورة بالغة , مثلما ينطويان على غرابة بالغة . فالرئيس الأميركي الذي يفترض أنه علماني في أمريكا بحكم الدستور الأميركي , ونصير للعلمانية في العالم بحكم ادّعاءاته المتعلقة بنشر قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان كمحددات للسياسة الأمريكية وذرائع تلجأ إليها في تبرير سياساتها الدولية , هذا الرئيس لا يقتصر على التحالف أو التعامل أو استغلال الإخوان المسلمين ومن في حكمهم تحت مسمّى « الإسلام المعتدل» , ولكنه يذهب إلى أبعد من ذلك , فيتبنّى المنظمات الوهابية التكفيرية وما في حكمها من التنظيمات وعلى رأسها تنظيم القاعدة المصنّف دولياً بأنه إرهابي , ويسلح هذه التنظيمات ويجهزها بوسائل الاتصال المتطورة والمرتبطة بغرف عمليات أمريكية وإسرائيلية , ويقدم لها مع تابعيه من الأتراك وآل سعود وآل ثاني وغيرهم كل التسهيلات , ولا يتردّد في دعمها دبلوماسياً ملقياً بكل ثقل واشنطن في هذا الاتجاه , وذلك عدا عن الدعم المالي الذي أعلنت بعض أرقامه ولكن هناك أرقام أخرى لم تعلن . فكيف يمكننا فهم هذا السلوك ؟ . يكفي أن نقف أمام هذا المشهد الغريب ليثور في أذهاننا تساؤلان : - الأول : كيف تنظر القوى الإسلاموية المرتبطة بأميركا « المعتدلة منها والمتطرفة » إلى شخص باراك بن حسين أوباما ؟ . - والثاني : كيف ينظر باراك بن حسين أوباما نفسه إلى هذه القوى؟. هل تعتقد هذه القوى « الإسلاموية « , وتجمع على هذا الاعتقاد , بأن تحالفها مع باراك بن حسين أوباما , أو تبعيتها له , وتنفيذها لأوامره وأوامر أجهزته وتابعيه , يعود إلى كونه – في نظرها مسلماً – وأن لا أحدَ منها على الإطلاق – رغم الطبيعة التكفيرية لها – يرى أن حكمه في الإسلام هو حكم «المرتد » وينطبق عليه قوله عز وجل (ومن يرتد منكم عن دينه) ؟ . وهل وراء هذه النظرة لغزٌ ما أو قناعة ما في أن باراك بن حسين أوباما هو في نظر كل هؤلاء – دون استثناء – مسلم في الجوهر اعتنق المسيحية بحكم الضرورة أو التقية أو المصلحة وليس من منطلق الارتداد ؟ . على كل حال , حتى لو افترضنا وجود هذا التصوّر , فإن الرجل – أي باراك بن حسين أوباما – لا يقود حربه الخاصة , بل حروب الولايات المتحدة الأمريكية . وهنا يكفي أن نذكر من وضعوا أنفسهم في خدمته وخدمة حروبه بالسؤال الكبير الخطير الذي يطرحه عليهم القرآن الكريم في قوله عزّ وجلّ ( أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعلمون) التوبة 16 . فهل اتخاذ الولايات المتحدة , وهي الحليف المطلق للكيان الصهيوني , « وليجةً » , سواء كان يحكمها أوباما أو سواه له ما يبرره دينياً ووطنياً وقومياً أم أن في الأمر مخالفة لأوامر الله عز وجلّ ونواهيه ؟ . ثم إن السؤال الأخطر والأهم يتمثل في حقيقة أن هذه القوى العجيبة الغريبة تتخذ من الولايات المتحدة « وليجة « لمحاربة المؤمنين من العرب والمسلمين لصالح أعداء العرب والمسلمين . فهل من ذنبٍ أكبر وأشدّ من مثل هذا الذنب ؟ . والآن , لننظر إلى المسألة من الزاوية المقابلة , أي نظرة باراك بن حسين أوباما لهذه القوى التي قام بتعبئتها في خدمته , وسلطها على العرب والمسلمين لحساب دولته . هل يفعل أوباما ذلك من منطلق كونه مغرماً بالإسلام والمسلمين , ومتحيّزاً لأهل الإسلام , وراغباً – ولو دون أن يفصح عن ذلك أمام قومه الأمريكيين – في تمكين الإسلام والمسلمين , واستغلال قدرات الولايات المتحدة وأتباعها ومنهم الصهاينة في سبيل هذا الهدف ؟ . فإذا كانت هذه هي غايته , فليستغل فترة ولايته لينجز لنا حلاً للعقدة الكبرى التي صنعتها أمريكا وحلفاؤها في فلسطين ونجم عنها تشريد الملايين من العرب الفلسطينيين . وعند ذلك سنصدّق أن الرجل يكن الحب لنا في أعماقه , وأن بوسعنا أن نثق به وبسياساته . لكننا نعرف أن سياسة أوباما بهذا الصدد هي الانحياز المطلق للصهاينة , وشدّ أزرهم في مواجهتنا , وتشجيعهم في مواصلة سياساتهم العدوانية التوسعية ضدّنا . أم أن من اتخذوا من أوباما وليجة لهم – من دون الله ورسوله والمؤمنين – يعتقدون أن أوباما إنما يفعل ذلك تقية أيضاً ؟ . وهل نحن أمام زعيم غارق في الشبهات التي تجعله يظهر غير ما يبطن تقية وفي سبيل مصلحته ؟ . إن سياسات « صاحب التقيات المتعددة « – في نظر « المجاهدين « لحسابه – لا ترى خدمة للإسلام والمسلمين إلا في إقامة « الشرق الأوسط الجديد » الذي تكون إسرائيل مهيمنة عليه , ويكون تابعاً لأميركا وخاضعاً لها خانعاً لأوامرها ومن أجل هذه الغاية فإنه يسعى للتخلص من عقد المقاومة التي تعترض سبيل مشروعه متمثلة في سورية وإيران والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية. وهو من أجل هذا يجمع محبّيه من « معتدلين» و « متطرفين» و « إرهابيين» ويزجهم معاً في معركته ويحوّلهم إلى مفسدين في الأرض من أجل تمكينه في الأرض . لكننا , ومن منطلق الفهم الموضوعي للأمور نعتقد جازمين أنه لا باراك بن حسين أوباما ولا سواه يملك أن يحكم هذه اللعبة , وأن يديرها حتى النهاية. ففي الأوساط ذات الاتجاهات الإسلامية بالذات , كما في الأوساط القومية والوطنية والتقدمية رجال لن تنطلي عليهم ألاعيب الأمريكيين والصهاينة , ولن ينخدعوا بالوعود الكاذبة , ولن يقبلوا بالانحناء أمام الأعداء , أو السجود تحت أقدامهم. وبالتالي , فإن أسئلة اليوم الأكثر طرافة وجدّية حول قصة باراك بن حسين أوباما وتابعيه , أو المتعاقدين معه على لعبة الشيطان , لأن أيّ تعاقد معه ومع شركائه لا بدّ وأن يكون عقداً شيطانياً , لن يستطيعوا مخادعة الجماهير العربية والإسلامية طويلاً . بل لن يستطيعوا خداعها . ولا بدّ وأن تشهد ساحة الصراع فرزاً بين « الحق » و « الباطل » , وبين « أهل الحق » و « أهل الباطل ». فمن كان مع باراك بن حسين أوباما لا يختلف من حيث الجوهر عمّن هو مع إيهود باراك ونتنياهو . إنه باركٌ على ركبتيه في مستنقع الخيانة وقد اتخذ من أعداء الله وليجةً له , ولبئس الوليجة. وجعل من نفسه عميلاً للباراكين , وبئس الخيار . |
|