تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأوراق الأميركية الجديدة ضدّ سورية .. مفضوحة و ساقطة أيضاً

الاثنين 6-8-2012
العميد الدكتور أمين محمد حطيط

في غضون يومين فقط القت اميركا في اتون الازمة السورية اوراقاً جديدة بدأت باستقالة - كوفي انان - المبعوث الدولي الى سورية -

ثم الحقت بقرار تبنته الجمعية العامة للامم المتحدة استنادا الى مشروع سعودي قدم تنتفيذا للاوامر الاميريكية وكان اخيرا القرار الاميركي الصريح بتسليح ما اسمي معارضة في سورية. وقد يحرر بعض المراقبين انفسهم من الربط بين هذه الامور لكننا لا نجد مثل ذلك لا بل نجد ان الدوافع والاسباب تكاد تكون واحدة وكلها تقود ما سنبينه في سياق البحث .‏

بداية لا بد من الاشارة الى ما كنا قلناه سابقاً حول كوفي انان و مدى ارتباطه بالادارة الاميركية اثناء قيامه و بعد تركه لمنصب الامين العام للامم المتحدة وخاصة ان لي تجربة شخصية معه في العام 2000 تؤكد مدى انصياعه وتنفيذه الدقيق للاملاءات الامريكية حتى ولو كانت على حساب العدالة والنزاهة، ثم ان تعيينه ممثلا للامين العام في سورية ما كان ليتم لولا الامر الاميركي بذلك خاصة ان بان كي مون - الامين العام الحالي - تفوّق عن كل من سبقه في الارتهان لاميركا حتى ان الكثير يرون فيه موظفا اميركيا في الامم المتحدة. لكل ذلك نقول ان الاستقالة ما كانت لتكون الا بعد تنسيق – على الاقل- او تنفيذاً لامر امريكي صدر وهو الارجح. كما ان قرار الجمعية العامة لم يكن الا بارادة اميريكية فرضت اعتماده، وحيث دفع 3 مليارات دولار من مال النفط السعودي والقطري لتأمين اكثرية له حتى ولو كانت هزيلة.‏

اما في ظروف هذه المواقف فاننا نسجل حصولها في الاسبوع الذي تلا الانجاز العسكري السوري المهم في استيعاب ما اسمي الضربة الحاسمة المنفذة وفقاً لخطة «بركان دمشق .... زلزال سورية» التي وضعتها اميركا وسخرت لها كل القدرات لاسقاط دمشق وحلب، وتاليا اسقاط سورية ونظامها. انجاز تمثل في افشال العدوان على دمشق ومنع الارهابيين من السيطرة عليها وترويع الاحياء ال 9 التي دخلوها ثم تطهيرها منهم بمهلة قياسية حيث حققت القوات العربية السورية نجاحاً باهراً مكنها من الانتقال الى حلب لتعالج وضعها بما يقتضي، في مواجهة وصفت بانها معركة الفصل او معركة الحسم النهائي في الازمة السورية كلها.‏

ومع هذا التحول ارتعدت فرائص اميركا وتحشدها الدولي العدواني بمجرد الحديث عن التحضير السوري لتطهير حلب ممن دخلها معتديا وناشرا الارهاب الاميركي فيها. وبعد ان تبين لاميركا ان مجرد القرار السوري بتطهير حلب يعني تهديدا لعدوانها عبر الاجهاز على الخطة برمتها خاصة انه بعد القرار تبقى المسألة مسألة وقت فقط واختيار المناسب من السلوك والقوى لتحقيق الانجاز بالحد الادنى الممكن من الخسائر، لجأت - اميركا - مباشرة الى لعب اوراق جديدة فكانت الاستقالة والقرار من الجمعية العامة ثم كان القرار الرئاسي بدعم علني للارهابيين عبر تكليف ال «سي اي اي» C .I.A بالتنفيذ و هنا نصل الى الاهداف التي رمت اليها اميركا من لعب هذه الاوراق، علما بان استقالة انان قد تكون شكلية في اثرها، لان تعيين بديل له يبقى امرا ممكنا ومتاحا، كما ان القرار من الجمعية العامة هو الآخر فاقد لاي قيمة قانونية او قوة الزامية بحسب طبيعة مثل هذه القرارات فضلاً عن انه اعتمد من قبل مجموعة اميركا الدولية في مقابل معارضة الجزء الآخر من دول العالم الرافض للسياسة الامريكية وبالتالي فهو قرار كرس الانقسام الدولي حول الازمة هذه ولم يغير شيئا في المشهد العام، ويبقى القرار الامريكي بتسليح الارهابيين، وهو امر ليس بجديد لان اميركا هي التي امرت خدمها في قطر والسعودية وتركيا بالقيام بكل ما تتطلبه عملية التسليح والتمويل هذه وان الامر غير خاف على عاقل. وبالمحصلة نرى ان الاوراق الثلاث لن تغير في العمق شيئاً في مسار الازمة.‏

أ‌. مع ذلك يبقى مهما الوقوف عند دلالاتها و الاهداف التي رمت اميركا من تحقيقها عبر ذلك حيث نرى ان من هذه الاهداف :‏

1) الضغط على الدولة السورية من اجل الامتناع عن خوض معركة تطهير حلب، واعطاء الارهابيين فرصة اضافية لتعويض خسارتهم في دمشق، وتعزيز مواقعهم في المدينة بما يحيي الامال بالقدرة على تحويل هذه المدينة بنغازي- سورية. حيث باتت حلب من منظور اميركي مركز الثقل الاساسي للعدوان ولا تتقبل اميركا بسهولة فكرة الهزيمة فيها، ولانها لا تستطيع الان التدخل العسكري المباشر للمحافظة على الارهابيين فيها، فقد رأت ان الضغط بالاوراق التي ذكرت قد يمكنها من تحقيق ذلك، لكنه امر لن يكون لها.‏

2) تحميل سورية مسؤولية فشل مهمة انان السلمية من اجل الضغط على روسيا والصين لتغيير السلوك في مجلس الامن والافساح في المجال لاميركا بادخال سورية تحت الفصل السابع. و نحن لم نفاجأ بما صدر عن كوفي انان بعد استقالته من مواقف استهجنها البعض، من قبيل شرح مفهوم المرحلة الانتقالية بما يطابق الشرح الاميركي بعد مؤتمر جنيف – تنحي الرئيس الأسد – وهو التفسير الذي نقضه ورفضه كليا وزير الخارجية الروسي يومذاك، و مع الانقسام الدولي القائم نرى ايضاً استحالة في تحقق هذا الهدف..‏

3) رفع معنويات الارهابيين، بعد انهيارها الى الحد الذي حدا بقائد ما يعرف ب «جيش الارهاب الحر» الى القول بانه انسحب او سينسحب من المدن بسبب عجزه عن الاستمرار في المواجهة، وقد جاءت هذه القرارات والمواقف بمثابة توجيه رسالة ضمنية لمن يعنيهم الامر بوجوب احتواء الانهيار ومتابعة السعي الميداني لان الحل السلمي للازمة السورية بات امراً مستحيلاً في الخطة الاميركية وان لا مخرج من المأزق الا بعمل ميداني عسكري ينبغي حشد الطاقات له لمتابعة العدوان المسلح.‏

4) تحفيز المعارضات السورية المتناحرة و خلفها مجموعة اعداء سورية للتماسك ومتابعة المواجهة العدوانية ضد سورية خاصة بعد التصدع الكبير الذي ظهر على صعيد تلك المعارضات والصراع على المال والسلطة.‏

ب‌. لكن هذه السلوكيات جاءت في ظرف وطريقة تمكن الباحث من الاستدلال على حقائق شاءت اميركا ومنظومتها العدوانية اخفاءها او تزويرها طيلة فترات العدوان الذي شن على سورية منذ ما يقارب السنة والنصف، حيث اننا نستطيع ان نستدل منها على ما يلي:‏

1) تشكل قناعة اميركية بان سورية ما زالت صلبة قوية بشعبها ونظامها وجيشها وقواتها المسلحة، وتملك من القوة ما يستحيل على جبهة العدوان وبالوسائل المتاحة و التي زجت في الصراع ان تحقق اهدافها.‏

2) صلابة المحور الاقليمي والجبهة الدولية المواجهة للعدوان الاميركي على سورية، وتبلور مواقف دولية استراتيجية قاطعة في رفض هذا العدوان تحت اي ظرف او عنوان.‏

3) فشل الغرب في تسويق الخديعة التي خطط لها من خلال مهمة انان، وانقلاب الموقف بعكس ما كان مخططا له، خاصة وقد تأكد بعد استقالة انان ثم اللجوء الى الامم المتحدة والقرار الاميركي بتسليح المعارضة، معطوفا على مواقف بعد مكونات جبهة العدوان على سورية من مهمة انان ونعيها قبل ان تبدأ والاحجام عن تسهيلها ورفض المعارضة التعهد بتطبيقها، كل ذلك اثبت بان اميركا اتخذت من انان حصان طروادة في سورية لكنه لم ينجح في خديعة السوريين، كما لم يتمكن من ابتزاز حلفائهم من اجل تحقيق المطلب الاميركي الاساسي بتنحي الرئيس الأسد ووضع اليد الاميركية على سورية، فاستقال وحاول باستقالته معطوفة على قرار الجمعية العامة ان يحجب مسؤولية الغرب عن الفشل.‏

ج. اما على المقلب الآخر فقد استطاعت سورية مع حلفائها تحقيق مكاسب في هذه الحرب المفتوحة من خلال الاوراق ذاتها حيث انها:‏

1) تمكنت من فضح تواطؤ السعودية وتخاذلها حيال احتلال جزيرتيها من قبل اسرائيل منذ العام 1967 وامتناعها عن القيام باي تصرف من اجل تحريرهما، واهتمامها باستجلاب العدوان الاجنبي على سورية لتدميرها وقد كان موفقا مندوب سورية الدائم في الامم المتحدة بشار الجعفري باثارة هذا الملف من على منبر الجمعية العمومية.‏

2) فضحت اميركا نفسها واكدت للملأ انها راعية فعلية للارهاب العالمي، اذا بعد ما كانت قد اكدت ان تنظيم القاعدة دخل بثقله في الارهاب ضد سورية ، قررت ان تسلح هذا الارهاب وبأمر رئاسي يعني اميركا باعترافها باتت هي والقاعدة في خندق واحد.‏

3) اكدت صوابية العمل السوري الامني الميداني في مواجهة الارهاب المسلح، ما يسقط كل افتراء او ادعاء لاحق ضد سورية في هذا الشأن .‏

أستاذ جامعي وباحث استراتيجي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية