تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ماذا تريد ألمانيا إذاً؟

لوموند
ترجمة
الأربعاء 13-6-2012
ترجمة: سراب الأسمر

إلى أي شكل ستؤول الأزمات الجارية في منطقة اليورو؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من التمييز بين ثلاثة جوانب مختلفة, الى أين تتجه منطقة اليورو, في أي منحى تتمنى ألمانيا رؤية منطقة اليورو تسير, و أخيراً إلى أي اتجاه ينبغي أن تسير منطقة اليورو؟

مع كل أسف لا تبدو الأمور واضحة في المنطقة إذ إن بعض حكوماتها ( حيث تعتبر اثنتان منهما هامتين اسبانيا و ايطاليا ) عاجزة عن إدارة ديونها العامة دون اللجوء الى المساعدات الخارجية. فالجزء الأكبر من هذه الديون بيد البنوك الوطنية حيث أغلبها تعاني من حالة عدم ثبات, لاسيما في الدول التي عرفت تضخمات عقارية و عجوزات مالية كبيرة, او الاثنتان معا. فهناك حكومات تجد نفسها تعاني من العجز و بنفس الوقت فهي ملزمة بإنقاذ أنظمة مصرفية ضعيفة وبالتالي فإن تلك الأخيرة بدورها تسعى لتمويل الحكومات التي سعت لإنقاذها: انهم مجرد سكارى يحاولون سند بعضهم البعض الآخر.‏

هذا وقد تمت مطالبة تلك الدول باللجوء الى التقشف المالي بحيث تقلص القطاعات الخاصة من نفقاتها: فبين عامي2007 و 2012 تحول الميزان التجاري الاسباني الخاص من حالة العجز الى حالة الوفر المالي ما يعادل 16% من الدخل القومي للدولة. هذا التقشف أضعف الإدخار و المصارف و هذا الأمر بدوره زاد من حدة البطالة و تسبب بتقليص النفقات العامة و أثبت بذلك أن خطة التقشف المالي غير مجدية. و خلال فترة التقشف هذه زادت حركة الطلب الضعيفة في منطقة اليورو من ضعف الاقتصاد عوض تقويته. فمع وجود بنوك تعاني من صعوبات مالية هذا يعني تعثر الطلب الخاص, وانكماش الطلب العام و ضعف الطلب الخارجي, و من المحتمل أن تضعف اقتصادات هذه الدول بعد سنتين الى ثلاث سنوات مسجلة انتاجا أقل و ارتفاعاً في نسب البطالة, وهكذا سيعوض الألم الحالي بألم في المستقبل.‏

ومن الصعب أن نجزم اليوم إن كانت ستنجو منطقة اليورو أم لا سواءً ظلَت اليونان عضوا في الاتحاد أم لا. خاصة و ان حجتها فيما يخص الاندماج الاقتصادي والمالي على وشك الانحلال, فدرب التشتت أصبح أوضح ربما يحتاج الأمر أسابيع, أشهراً ما لم نقل سنوات إلاً أن التوجه اخذ يتضح أكثر فأكثر مع كل أسف.‏

و لنأخذ الآن التساؤل الثاني: ما هو شكل التنظيم الذي تتمناه المانيا لمنطقة اليورو؟ الحكومة وسلطات المال الالمانية لا تريد قفزات أوروبية, ولا تخصيص أموال لتحقيق آلية استقرار أوروبا (حيث يكلّف اليوم 500 مليار يورو ), ولا دعم مشتركاً للنظام المصرفي, اتباع التقشف الصارم, بما في ذلك ألمانيا, لا تمويلات مالية للدول, عدم التهاون مع سياسة النقد في منطقة اليورو, و تجنب الارتفاع المفاجئ على الائتمان في المانيا حيث أنها الدولة الدائنة التي بيدها السلطة في زمن الأزمة. و التساؤل هنا ما الطريقة التي يمكن أن يتبعها أصحاب القرار الالمان لإيقاف هذه الدوامة التي لا قرار لها في منطقة اليورو؟ الافتراض الاول للإجابة على هذا التساؤل هو أن يعترفوا بعجزهم عن إيقافها و بالتالي ستعيش بعض الدول الهشة واقعا عصيبا بحيث أنها ستترك منطقة اليورو تلقائياً ما سيقلص من حجم منطقة اليورو التي ستبقى مقتصرة على الدول ذات المفاهيم المتقاربة مع المانيا و سيخفف ذلك من الضغط المالي والنقدي الالماني.‏

الافتراض الثاني: هو أن يفكر الالمان أنه أمام تلك السياسات فرصة لتتجاوز أزمتها و السير قدماّ, وأن الدول الأكثر ضعفاّ ستعرف انخفاضا على أسعار بضائعها الى حد ستسجل فائضاً خارجياً كبيراً مقارنة بدول العالم الاخرى و بالنتيجة ستعاود نشاطها الاقتصادي, احتمال آخر عبر اصلاح بنيوي راديكالي ببيع أصول مالية بأسعار بخسة مما سيجذب الاستثمار الواسع: هؤلاء يمولون عجز الحسابات الجارية لأمد قصير ويدفعون بذلك عجلة النشاط الاقتصادي على المدى الطويل. فهل يفكر أصحاب القرار الالمان أنه يتطلب من الدول الضعيفة الاختيار بين تسوية قاسية و خروج سريع من الأزمة, وأنه في كلا الحالتين الخطر المعنوي أكيد و تعريض المانيا للخطر يظل محدوداّ. هذا ويبدو خيار خروج الدول الاضعف أمراً فيه الكثير من المجازفة أما خيار التسوية المؤلمة فيبدو معقولاً وبكل الاحوال الدول الضعيفة وحدها معرضة للخطر. لكن أليس من ضرر على ألمانيا؟ تصدر ألمانيا من منتجاتها 5% فقط للصين فيما تصدر الى دول منطقة اليورو 42% من منتجاتها. إذا ستتراجع صادراتها بشكل واسع بحال انهيار المنطقة, فالمشاكل التي حلّت بالبعض منها عملت على اضعاف الصادرات الالمانية: ففي الفصل الاول من عام 2012 لم يرتفع الدخل القومي سوى 1% عما كان عليه قبل أربع سنوات. بالإضافة الى هذه المخاطر الاقتصادية التي آذت الاتحاد الاوروبي هناك الدمار السياسي الدائم و الناجم عن الهيمنة الاقتصادية لمنطقة اليورو.‏

و بالمختصر, منطقة اليورو اليوم مهددة بالانفجار(أو بالسقوط ) ومع ذلك لا تبدي المانيا أيّ نية لإنقاذها, إذ لا تملك سوى طرح بعض الخيارات المستحيلة, فيما تحتاج المنطقة الى تبديل بعض اللاءات بـ نعم , على سبيل المثال تمويلات أكثر, دعم مشترك للمصارف, انكماش مالي أقل, المزيد من التشعبات النقدية و زيادة الطلب الالماني. صحيح ان إجراءات كهذه لا تكفل النجاح, لكنها تمنح فرصة على الأقل لمنطقة اليورو لتتجنب كلفة الانفجار الجزئي أو الكامل. ولكي يكون لهذه الإجراءات أثر على المدى الطويل تتطلب هذه التغييرات اندماجا سياسياً أوسع.‏

لقد صرّح تشرشل في تشرين الأول من عام 1939:«لا أستطيع أن أشرح لكم ماذا ستفعل روسيا, فهذه الدولة عبارة عن لغز رمزي محاط بالغموض ضمن أحجية, لكن بالتأكيد لهذا اللغز مفتاح, و هذا المفتاح هو مصلحة روسيا الوطنية.» و مفتاح أوروبا اليوم, هو الاسلوب الذي ترى من خلاله ألمانيا مصلحتها الوطنية. فحين يصبح من الواضح أن شروط الخروج من الأزمة لا تعمل, عندها ينبغي على القادة الالمان الاختيار بين الغرق أو تغيير القيادة, فمصير أوروبا مرتبط بهذا الخيار..؟‏

 بقلم: مارتن وولف‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية