تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


طائرات دون طيار ..دور أوباما في اختيار الأهداف البشرية

عن موقع WSWS.ORG
ترجمة
الأربعاء 13-6-2012
ترجمة : حسن حسن

منذ مائة عام كتب رودياركيبلينغ يقول :«لسنا محكومين بالقتلة فحسب ، بل بأصدقائهم ». والواقع أن هذا القول المأثور للشاعر المذكور أصبح مهملاً تماماً وهذا ما برهنت عليه مقالة نشرتها الـ«نيويورك تايمز» بينت فيه بالتفصيل برنامج القتل والتصفية الذي يتولى أوباما ادارته انطلاقاً من البيت الأبيض .

مقالة «نيويورك تايمز» المطولة الذي نشرته في 29أيار الماضي ، كشف أن الرئيس باراك أوباما يمضي وقتاً كافياً لتدبير عمليات القتل والتصفية شخصياً وانتقاء ضحاياه . وهذه العملية تتم أسبوعياً حيث يدير أوباما الاجتماعات المسماة«الثلاثاء الإرهابي » والتي تضم قيادات من الجيش ووكالات الاستخبارات . كل أسبوع يجتمعون في قاعة الطوارئ في البيت الأبيض للنظر وتفحص الصور الوصفية لأولئك المدرجين على «قائمة الاغتيال».‏

في نهاية المطاف ، يعود الأمر للرئيس أوباما اختيار الجزء الأكبر من هؤلاء الضحايا . وطبقاً لما جاء في التايمز ، فإن الرئيس يمهر كل ضربة من هذه الضربات بتوقيعه الشخصي، سواء في اليمن ، الصومال ، وكذلك الضربات الأعقد والأخطر في باكستان - أي حوالي ثلث العدد الإجمال للضربات ».‏

وبالتالي ، عندما نسمع ذلك أو نراه في تقارير وسائل الإعلام عن قتل «ناشطين مزعومين » بالطائرات دون طيار ، سرعان ما تكشف الروايات لاحقاً ، أن هؤلاء «الناشطين» الذين أعطى الرئيس أوباما أمراً شخصياً بقتلهم ، ما هم إلا نساء ،ورجال وأطفال عزل .‏

المقال بحد ذاته لم يكن تقريراً ، وإنما جاء بطلب من حكومة أوباما لاستخدامه في حملته الانتخابية في محاولة منه الظهور بمظهر القائد الذي لا يتراجع عن محاربة الإرهاب ، وليفاخر بنجاح برنامجه المزعوم في القتل والتصفية متجاوزاً في ذلك أقرانه من الجمهوريين.‏

واضعو التقرير أكدوا أن معلوماتهم استقوها من مقابلات أجروها مع العشرات من مستشاري أوباما السابقين والحاليين المخولين التحدث عن تورط الأسد في عمليات ارهاب الدولة . وهذا المقالة هي بمثابة شهادة على حالة الانحطاط «للديمقراطية» الأميركية، والفساد الأخلاقي العميق للطبقة السياسية الحاكمة.‏

من بين الفقرات المقتبسة عن التايمز، هناك الضربة الأولى التي أعطى أوباما الأمر بتنفيذها كانت في اليمن في 17 كانون أول 2009 صاروخ بحري أصاب قرية ، وراح ضحيتها العشرات من الأشخاص ، 14 امرأة و21طفلاً : وهذا ما غذا الحقد تجاه الولايات المتحدة وما زال مستمراً حتى اليوم .‏

والفقرة الأخرى التي عرضتها التايمز ، هي وصفها للحالة «الغامضةلمقتل بيت الله محسود» زعيم الطالبان في باكستان ، والذي جرى استهدافه في آب من عام 2009لأن «باكستان تريد قتله» وأن الولايات المتحدة كانت تعمل بالتواطؤ مع باكستان لتنفيذ ضربات بطائرات دون طيار.«محسود» لم يكن يمثل أي «تهديدداهم للولايات المتحدة »والمعيار التي تدعي الحكومة الأميركيةأنها تختار ضحاياها من «القائمة المعدة للاغتيال» قد تجاوزته زاعمة أن «محسود» كان يشكل خطراً على إحدى الشخصيات الأميركية في باكستان. واقع الأمر ، أن الأغلبية الساحقة ممن يتم استهدافهم في عمليات التصفية، جريمتهم الوحيدة هو «معارضة الاحتلال الأميركي أو تدخل في شؤون بلادهم» أما الوجه الآخر المريب ، هو أن «محسود» كان مع عائلته ، عندما أعطي الأمر باستهدافه، فأوباما لا يساوره القلق عندما يتم قتل الأبرياء ، و عندما طلب من وكالة الاستخبارات بالضرب ، كان على قناعة تامة بأنه لن يكون ثمة احتجاج من جانب المسؤولين الباكستانيين.‏

وهذا بدوره يقودنا إلى ما وصفته التايمز بـ«الاختيار القطعي» «لمبادئ» أوباما ، في حالة أنور العولقي ، الإمام المولود في نيو- مكسيكو ، والمواطن الأميركي الذي جرى استهدافه وقتله في أيلول الماضي في اليمن عبر صاروخ أطلقته طائرة دون طيار . وقضية الاغتيال تلك طرحت «سؤالاً ملحاً » على أوباما ، مفاده : هل يمكن اعطاء الأمر ، سراً ودون محاكمة باستهداف مواطن أميركي في بلد ليس في حالة حرب مع الولايات المتحدة؟! ويأتي الجواب من المستشارين القانونيين في وزارة العدل الأميركي الذين أعدوا مذكرة للرئيس يبررون فيها للرئيس بشن هجوم كهذا . وهو بذلك يأتي مطابقاً «لمبدأ الفرهرر» في ألمانيا النازية حيث كانت تشكل قرارات الزعيم السلطة العليا الحاكمة في البلاد .‏

وثمة مركب نفسي في تركيبة أوباما الشخصية ، فهو عندما يوجه شخصياً الأمر بارتكاب أعمال قتل تندرج في إطار إرهاب الدولة ، ذلك لأن جزءاً منه يحب القيام بذلك ، وما يقوله مستشار الأمن القومي توماس دونيلون يؤكد ذلك : إنه رئيس يحس بالفرحة عندما يلجأ إلى استخدام القوة باسم «الولايات المتحدة»أما السر في «مبادئ» أوباما، والتي ليست من المبادئ في شيء، أنه متقلب سياسياًوخالٍ من أي أفكار استقلالية أو معتقدات ديمقراطية وروادع أخلاقية . إن شخصية أوباما هي أشبه بشخصية موظف اداري ،تتماهى إلى حدٍ كبير مع الشخصية العسكرية أو جهاز الاستخبارات الذي «يقوده» رسمياً، وعينه الساهرة ، جون بريتان مستشاره الحالي لمكافحة الإرهاب والمسؤول السابق في وكالة الاستخبارات (السي آي ايه).‏

وإذا كان برنامج التصفية والاغتيال يظهر بوضوح شخصية أوباما ، فإن هذا البرنامج أيضاً يكشف جهاز المؤسسة السياسية الحاكمة عموماً ، وهو شهادة دامغة على الرفض التام للمبادئ الدستورية على أعلى المستويات، وعلى الانهيار السياسي ، والأخلاقي الفعلي للحكومة الأميركية برمتها . وإذا كان قتل مواطن أميركي من السهولة بمكان، فإلى أي حد بمقدور الرئيس وحكومته ارتكاب الجرائم ؟!‏

 بقلم : فان أوكين‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية