تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رولان بارت.. متعة التلصص على خطاب «عاشق»

كتب
الأربعاء 13-6-2012
رولان بارت (بالفرنسية: Roland Barthes) فيلسوف فرنسي، ناقد أدبي، دلالي، ومنظر اجتماعي.وُلد في 12 نوفمبر 1915 وتُوفي في 25 مارس 1980،

واتسعت أعماله لتشمل حقولاً فكرية عديدة. أثر في تطور مدارس عدة كالبنيوية والماركسية وما بعد البنيوية والوجودية، بالإضافة إلى تأثيره في تطور علم الدلالة. يمنح بارت للقارئ مهمة جديدة، وهي إنتاج النص من جديد ليصبح بشكل أو بآخر صاحب النص ذاته، وليس مجرد مستهلك لمضمونه. حجة بارت في ذلك إن القارئ أو الهدف المقصود من وراء عملية إنتاج النص، ولولاه لما بقي للنص دلالة وأهمية، وبالتالي لا فائدة لوجود كاتب لا يقرؤه احد.‏

ارتكزت جل نشاطات بارت، على تحليل منهجية اللغة والأسلوب الأدبي، لهذا تنقل في معظم أعمالة الأدبية إلى أكثر من نظرية، مركزا على التحليل السردي للنصوص، حيث نهضت نظرية بارت النقدية على جملة من المفاهيم النقدية ثلاثية الأبعاد أو المحاور مع الاختلاف في عملية تسليط الضوء أو التركيز على كل بعد من هذه الإبعاد الثلاثة بحسب الرؤية التي يملكها رولان بارت . عندما سأل بارت يوما عن الكتابة أجاب: “الكتابة ليست شيئا سوى بقايا الأشياء الفقيرة والهزيلة للأشياء الرائعة والجميلة في دواخلنا …”، فبارت رفض أن نضع نهاية للكتابة بمجرد خروج الكتاب في صيغته النهائية، ودعا إلى حياة ثانية وثالثة وأخرى لانهاية لها، بقدر تكرار القراءات: “... أن تعطي النص مؤلفا، هو أن تفرض عليه مساحة وحدة، يعني أن تجد معنى نهائيا . معناه أن تضع نهاية للكتابة”. يقول بارت في كتابه “هسهسة اللغة”، حيث بدأ يسرد كيف جاءته فكرة أن هوية المؤلف لا تهم كثيرا بقدر اللغة التي نقلت بعضا من تاريخه الشخصي والجماعي، ويفسر لنا معنى المؤلف كما يلي: “ المؤلف شخصية مفتعلة ، بمعني انه نتاج مجتمعنا ، بإرثه من العصور الوسطي ، والفكر التجريبي الانجليزي، والعقلانية الفرنسية ، ودعوة حركة الإصلاح البروتستانتية إلي تأكيد ذاتية الفرد ، أو كما يقال تجاوزا (الفرد الإنساني ) . هذه النظرة الساذجة ، وصلت قمتها بشكل منطقي إلي تهويل في الفكر الرأسمالي ، من أهمية الفرد ، أي المؤلف .‏

هكذا تجد أن المؤلف يتربع علي عرشه في كتب تاريخ الأدب ، وتراجم الكتاب ، والمقابلات ، وفي المجلات ، بل وفي رغبات المؤلفين أنفسهم الذين يستهويهم أن يخلطوا بين ذواتهم وأعمالهم ، بواسطة نشر مذكراتهم ويومياتهم .‏

تتوزّع أعمال رولان بارت بين البنيوية وما بعد البنيوية، فلقد انصرف عن الأولى إلى الثانية أسوة بالعديد من فلاسفة عصره ومدرسته. كما أنه يعتبر من الأعلام الكبار - إلى جانب كل من ميشيل فوكو وجاك دريدا وغيرهم - في التيار الفكري المسمّى ما بعد الحداثة ومؤخرا صدر له كتاب “شذرات من خطاب محب – عن المنظمة العربية للترجمة – ترجم النص عن الفرنسية علي نجيب ابراهيم- بارت يخاطب قارئه، في الجزء الأول مثلما في الجزء غير المنشور سابقا، عبر سيل من تداعي الأفكار سمى دفقه «شذرات»، ثم سمى كل دفقة تشكيلا يحدد منسوبه عنوان، وعرض موجز لمعناه، ولصلته بالحب يسميه «أرغومنتوم». وهكذا، فالكتاب يتألف من مائة تشكيل، نشر بارت قيد حياته ثمانين منها، ونشرت البقية بعد وفاته وهي التي تترجم إلى العربية لأول مرة.‏

لنبحر قليلا في متن العشرين تشكيلا الأخيرة.‏

ما العمر؟ أو بالأحرى فقدان الشعور بمرور العمر؟‏

إن المحب، يكتب بارت، بوصفه محبا، لا يعين لنفسه أي عمر؛ ليس شابا ولا عجوزا.‏

وضمن نص «في الحب»، يعرض معنى الحب: «لا يعدم الحب، بوصفه مفهوما، أن يشكل صورة يصوغها المحب. ومع هذا، لا يستهدف التشكيل فكرة المحب عن الحب، لأنه، على وجه التحديد، ذاك الذي لا يمكن أن يصوغ فكرته عنه...». بالطبع، يريد المحب أن يعرف ما يكون الحب، لكنه «يراه في وجوده، لا في جوهره» لأنه «داخله». وهكذا، فالمحب «قد يصوغ خطابا عن الحب، طيلة العام، من دون أمل في أن «يمسك بمفهومه إلا من ذيله»: من خلال ومضات، وصيغ، ومفاجآت تعبيرية، مبعثرة في مجرى المخيلة العريض؛ إنه في المكان الرديء للحب، الذي هو مكانه الباهر: يقول المثل الصيني إن المكان الأكثر عتمة هو الذي يكون تحت ضوء المصباح».‏

ورغم أن الآنسة دو سكوديري تقر: «الحب هو ما لا أدري، يجيء من حيث لا أدري، وينتهي ولا أدري كيف ينتهي»، فإن السؤال يظل يؤرق المحب ويتردد: «لكن، ما الحب في النهاية؟»‏

«إذا كنتم، يكتب بارت، مصابين بالسكري (أو تعتقدون أنكم مصابون به)، تشترون حتما كتاب من سلسلة: ماذا أعرف؟ عن السكري. وإن كنتم محبين، تريدون كتبا تشرح الحب. تحاولون دائما أن تتخذوا مكانا في لائحة الأمراض، والعواطف، وأشكال العصاب. من أنا؟ وإذا لا تجيبون في الجوهر (فهذا الزمن ولى)، تبحثون عن الإجابة بالتصنيف: أنا جزء من صنف المحبين، أصنف نفسي، إذا فأنا موجود. (روايات الحب كلها بمثابة «ماذا أعرف؟» عن الحب.)».‏

في رحم الحب، يجزم بارت بوجود فكرة متضاربة عن اليأس، فكرة «تكسب المحب ألما، وشعورا بالحقيقة معا». لكن ما العمل واليأس أحد قوانين الحب؟‏

«خطاب الحب لسان، ولهذا اللسان، كاللسان الطبيعي، قوانينه الإجبارية. واليأس واحد من هذه القوانين: ليس ممكنا للمحب أن يقول الحب (وما عسى أن يكون الحب غير المتكلم (بفتح اللام-؟) إلا من خلال التزام اليأس. إذ يبلغ اليأس المحب حدا من تكوين شكل الخطاب لا داعي عنده للبحث عن سبب: فكل حادث مناسب لإثارة اليأس، إلى درجة أن اليأس يغدو التعريف المعياري للحب، تماما كأحرف الغنة التي تعرف اللغة الفرنسية من بين لغات كثيرة أخرى (تقول الآنسة دو لسبيناس: أحبك كما يستوجب الحب، في اليأس)».‏

والتعس، أبمقدوره، هو الصالح لنماذج بؤس المحبين كافة بما أنه بإمكانهم جميعا الانضواء تحت التعجب قائلين: ليست الأمور على ما يرام إطلاقا، أبمقدوره أن يكون محبا؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية