تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يوميات فريدا كالو.. شاعرية مكسيكية مدونة على القماش

كتب
الأربعاء 13-6-2012
( لقد كانت فريدا كالو كليوباترا خافية جسدها المعذب، رجلها الجافة ، قدمها المشلولة، مشداتها المقومة تحت الفخامة المذهلة للفلاحات ، المكسيكيات اللواتي أخفين خلال قرون بغيرة وحرص جواهرهن.

ليحمينها من العوز، مظهرينها فقط في الحفلات الكبرى، الدانتيلات، الوشاحات والتنانير، الضفائر، والبلوزات، الأغطية المؤطرة كأقمار لهذا الوجه لفراشة مظلمة، معطية لها أجنحة ، فريدا كالو كما لو أنها تقول لكل الحضور إن الألم لن يذبل..)‏

بهذه الكلمات تكلم كارلوس خونتيس الكاتب والروائي المكسيكي عن الرسامة المكسيكية فريدا كالو.‏

يصفها معاصروها أنها المرأة التي لا بديل عنها. الامرأة غير المتكررة والتي ندعوها فريدا كالو إنها محطمة ممزقة في جسدها الداخلي بالضبط كالمكسيك، ممزقة في جلدها الخارجي.‏

هي وزوجها الرسام المكسيكي ريفيرا الذي شكل معها ثنائياً شهيراً شكلاً وجهين لعملة واحدة تمثل المكسيك الفيل والحمامة ، نعم ولكن أيضاً الثور الأعمى عديم الحساسية لأشياء كثيرة، المشاكس. المتزوج من الفراشة الهشة، الحساسة، التي كررت دون توقف دورتها من اليرقة إلى الشرنقة، جنية الليل المكسيكية التي تفتح أجنحتها اللامعة فقط لتوخز مرة ثم مرة أخرى، وهي مقاومة للألم بدهشة، حتى يصبح الاسم المتعارف عليه للألم والنهاية الألم هو الموت.‏

لقد كانت كالو أكثر من هذا بكثير، تبرهن على ذلك يومياتها، تظهر لنا فرحها، مرحها، خيالها الأكثر روعة.‏

إن اليوميات هي شاطئها مع العالم. عندما أبصرت فريدا رسمت نفسها ورسمت نفسها لأنها شعرت أنها وحيدة ولأنها الشخص الذي تعرفه جيداً. ولكن عندما رأت فريدا العالم، فلقد كتبت بشكل متناقض يوميات طفلة سعيدة ولعوب معاقبة بشلل الأطفال وأيضاً بالقدرة المميزة لممارسة الخبث. ساخرة من الآخر.‏

المعوق، غير الكامل الطفلة الجميلة فريدا ابنة أسلاف ألمان. هنغار ومكسيكيين ، إن فريديتا بفساتينها المهدبة وذات الأشكال الرغوية وكعكاتها في الرأس، تصبح فجأة فريدا عود الخشب، السخرية في فسحة المدرسة يبدو أنها لاحقتها ما تبقى من حياتها، ولكن لم تهزمها فلقد تحولت إلى المهرجة في المدرسة الوطنية التحضيرية، في لحظة كانت فيها المكسيك ثقافياً تترك وراءها الأسلحة الفلسفية المثعلبة للعلوم والوضعية معيدة اكتشاف السحر ، الحدس، الهنود.‏

لقد كانت جنوب أميركا والمكسيك واقعتين تحت تأثير الثقافة الفرنسية.‏

لقد كانت الشابة كالو تلبس زي رجل، لقد شكلت جزءاً من مجموعة كانت تسمى (كاتشو تشاس) وهن شابات متحديات ذوات شخصية- مرتديات أزياء خفيفة وبقبعات بروليتارية ، يستهزئن بكل الشخصيات الوقورة وقد أصبحن مصدر إزعاج.‏

مشاكسات في كل مكان، داخل الكلية وخارجها وبسرقة الحافلات كما في أحد أفلام بونويل لم يكن قد قام بتصويره بعد، ودون أن يعرفوا هي وزملاؤها كانوا يعبرون عن الفكاهات الفضائية للدادائية، والسريالية ولكن بمنابع محلية، ولقد دفع هذا الانحطاط بالكثير من الروائيين والسينمائيين للتعبير عن ظروف البلاد الواقعة في فوضى سياسية، مدينة المكسيك والتي هي اليوم المدينة الأكبر في العالم، كانت عندها مدينة صغيرة ، تكاد لا تزيد على النصف مليون من السكان، مدينة جميلة بلون وردي، بقصور رائعة وكنائس هادئة، بيوت كثيرة كانت مجرد طابقين ببلكونات رائعة وشبابيك مزينة، لقد كانت مدينة بحدائق فوضوية جميلة، وعشاق صامتين، شوارع عريضة ومظلمة.‏

خرجت كالو خلال كل حياتها للبحث عن المدينة مكتشفة روائحها وألوانها، تضحك في الحانات، تتسكع في الأحياء باحثة عن رفقة لتصاحبهم، لأن فريدا كالو كانت امرأة وحيدة تتصيد الرفقاء المجموعات ، الصداقات القريبة جداً، ولقد هاجمتها المدينة دون رحمة ولطالما توجست منها، ففي أيلول من عام 1925، اصطدمت الحافلة التي كانت تقل فريدا بشاحنة فكسرت لها العمود الفقري ، الرقبة، أضلاعها، والحوض، ورجلها المريضة أصبحت الآن تعاني آلاماً من أحد عشر كسراً. كتفها الأيسر بقي مخلوعاً على نحو دائم وإحدى قدميها بقيت مع استحالة علاجها. وصفيحة موضوعة في ظهرها و...‏

في العمود الممزق وشجرة الأمل ترسم كالو نفسها كما تخيلت نفسها، جلداً دامياً، مفتوحاً، منقسمة إلى نصفين كحبة فاكهة، مستلقية عارية في سرير في مستشفى في ديترويت دامية وحبلى كما يصفها ريفيرا بأنها رمز للحقيقة، للحق، للقسوة والألم، يضيف قائلاً: لم تضع امرأة من قبل كل هذه الشاعرية في قطعة قماش، ما تعيشه هو ما ترسمه ولكن ليس هناك أي تجربة إنسانية ، مهما كانت مؤلمة تستطيع أن تحوله إلى فن.‏

ألمها جسدها ،إنها منابع فن فريدا كالو، ولكنها لاتكفي، ليس وحدهم إنها ليست رسامة أحلام، تصر هي على ذلك، وإنما هي رسامة لواقعها، ترسم نفسها لأنها تجد نفسها وحيدة وهو الموضوع الأكثر الذي تعرفه.‏

إن فريدا كالو وهي تشكل جزءاً من الإرث الأوروبي والمكسيكي قد فهمت التالي: إنه شيء أن تكون جسداً وشيء آخر أن تكون جميلاً ، لقد استطاعت كالو أن تضع مسافة بين ماهو قبيح فقط لتشاهد ماهو قبيح ، قاسٍ أو مؤلم، بعيون أكثر وضوحاً، مكتشفة تجانسها ، وإنما بنموذج الجمال على الموضة.‏

فريدا ودييغو‏

لقد اعترفت بأنها عانت من حادثين في حياتها، حادثة العربة وحادثتا دييغوا ريفيرا ، إن حبها له غير مشكوك فيه وحبه غير مخلص، وكانت تلومه .‏

لقد كان يعترف بذلك، فكلما أحبها كثيراً، كان يريد ايذاءها أكثر، وهي كانت ترد بعشاق كثيرين، رجالاً ونساء.‏

لقد تعاطف دييغو مع النساء اللواتي أحببن فريدا، ولكن ليس الرجال، لقد كانت تمتص كل شيء نظرا لطريقتها في الحب، حب الأم الأرض، حب فريدا بكل الأحوال كان حباً مفترساً ، نقياً كما للآلهة النسر، كانت تريد أن تنجب دييغو ، إنه أنا، كتبت أو قالت ذات يوم من أقدم خلاياي، إنه في كل لحظة ابني طفلي المولود في كل لحظة كل الأيام في أحشائي.‏

لقد رسمت داخلها، وحدتها كقلة قليلة من الفنانين، إن اليوميات تربطها بالعالم عن طريق الضمير، الرائعة والغامضة، بأننا كلنا نتجه إلى أنفسنا كما تكتب هي عن طريق ملايين الأشخاص.‏

نموذج من اليوميات‏

(لابد أن عمري كان 6 سنوات عندما عشت بكثافة صداقة متخيلة ، مع طفلة .. من عمري تقريباً من نافذة غرفتي والتي كانت تطل على شارع الليندي . على زجاج النافذة زفرت البخار وأخذت أرسم بإصبعي باباً ومن هذا الباب خرجت إلى هذا المنظر بسعادة وسرعة شاقة، حيث صديقتي المتخيلة التي كانت دائماً بانتظاري ، لا أذكر شكلها ولا لونها ولكنها كانت تضحك كثيراً دون أن تصدر أصواتاً، كانت رشيقة، وترقص كما لو أنها دون وزن).‏

الكتاب : يوميات فريدا كالو- لوحة حميمية - ترجمة علاء شنانة- صادر عن دار نينوى - دمشق‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية