تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«الفيتو المزدوج».. الرسالة القادمة من الشرق

شؤون سياسية
السبت 18-2-2012
حسن حسن

خليط من الغضب و الصدمة ساد أروقة صناع القرار الاميركي منذ أن استخدمت كل من روسيا و الصين حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي لمنع تمرير مشروع قرار ضد سورية، فقد بوغتت واشنطن بذهاب عدو الأمس و منافس المستقبل معاً إلى هذا المدى في خطوة نادرة لم تعرفها أروقة الامم المتحدة منذ زمن الحرب الباردة.

بوغتت واشنطن إذاً، على الرغم من معرفتهم المسبقة بموقف موسكو وبكين، كما ظهر عبر تعليقات المتحدثة باسم وزارة الخارجية وسفيرة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية. وكان سفيرا الصين وروسيا قد بررا موقفي بلادهما على أساس أنه يأتي وفق قناعة ترفض التصعيد و المواجهة بقرار أممي لا السعي لإيجاد حل.‏

بصرف النظر عن مضمون مشروع القرار و إلى من يوجه ولأي أسباب تم التعاطي به، ثمة أسباب عامة و خاصة يمكن الالتفات إليها، أولها طبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تحرص عليها القيادة الروسية لما لموقع سورية في الحسابات الاستراتيجية ذات الطبيعة العسكرية و الأمنية، و من بينها قاعدة طرطوس و هي الوحيدة المتبقية لروسيا عملياً في المياه الدافئة، و هو الحلم القديم الذي لا يمكن لموسكو التخلي عنه ولو في أحلام اليقظة، وبخاصة في ظل اعادة تشكيل سياسي وربما جغرافي لكيانات منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن العلاقات التجارية القائمة بين البلدين. اضافة إلى تلك الميزات الناظمة للعلاقة. ثمة بعد روسي أخر يتمثل في اعادة التركيبة السياسية الروسية اللاحقة هذا العام، في اطار عودة فلاديمير بوتين المحتملة بقوة إلى الرئاسة، الشخص الذي أعاد تموضع روسيا في النظام العالمي القائم بعد ضمور وضعها إبان الفترة الانتقالية التي حكمها بوريس يلتسين، الأمر الذي سيعزز موقف القيادة الروسية في مجابهة خصومها التقليديين على المستويين الدولي و الاقليمي. وفي هذا السياق نفسه يتطابق الاعتراض الصيني في مجلس الأمن مع الأسباب الروسية و لو بوجهات أخرى من بينها‏

ضمان حصة الصين من الاستثمارات الشرق أوسطية المتنامية على نحو متسارع، فضلاً عن ضمان البيئة نفسها في القارة الإفريقية بعد الدخول الغربي اللافت عبر البوابة الليبية. وهنا من الصعب تجاهل أو استبعاد العلاقات الايرانية-الروسية، و كذلك الصينية في هذا المجال، ما يشكله من اطار داعم للوضع السوري في مواجهة الضغوط الدولية.‏

إضافة إلى تلك الخلفيات، ثمة مؤثر واضح في عملية الاعتراض المزودج، على قاعدة السماح التركي لنشر رادارات الناتو على أراضيها، الأمر الذي يشكل تحدياً مزمناً لموسكو، كادت سابقة له أن تشكل بيئة ملائمة لنشوب حرب نووية إبان أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا عام 1961، حيث حلت الأزمة آنذاك بسحب الصواريخ الاميركية الموجهة إلى أراضي الاتحاد السوفيتي السابق من الأراضي التركية، مقابل سحب الصواريخ الروسية من كوبا و الموجهة إلى أراضي الولايات المتحدة، ويأتي الاعتراض الروسي اليوم رسالة اعتراض أولية من الممكن أن تليها رسائل أشد عنفاً على الاجراء الأطلسي في تركيا عبر الكثير من الأزمات كالتي تحصل حالياً في سورية.‏

إن الاعتراض الروسي في مجلس الأمن يشكل حالة من الاجراءات التنفيذية المعتادة التي تسير بها موسكو عادة في المسائل المتعلقة بالأمن أو المجال الحيوي الأمني و السياسي الذي يخصها، ومن بينها المنطقة الجنوبية المتصلة بتركيا وما تشكله من تحكم بمضيقي الدردنيل والبوسفور، شريان المياه الدافئة الذي تتمسك به روسيا في سياساتها الخارجية الاستراتيجية.‏

جانب آخر يفسر الاعتراض المزدوج في مجلس الأمن، على قاعدة الامتعاض و التذمر الصيني و الروسي على ادارة الأزمات الدولية بهذا الشكل و الأسلوب، و كذلك الآلية، أي عبر الأمم المتحدة و بخاصة مجلس الأمن الذي بات اليد الطولى لواشنطن في تنفيذ سياساتها الغليظة و الناعمة على المستويات الأقليمية والدولية في الوقت ذاته.‏

إن حالة الاستنفار للتعامل مع الأزمة أميركياً في أعقاب هذا التغير النوعي من قبل روسيا و الصين يعكس مدى الفهم الاميركي للرسالة القادمة من الشرق، فالقصة ليست سورية وليست موقفاً ضد تدخل عسكري آخر، لأنهم يعلمون أن الولايات المتحدة تريد اسقاط سورية من دون التورط في تدخل عسكري آخر على غرار ما حدث في ليبيا، لاختلاف الأمور بالنسبة لسورية نظراً لتنوع الخريطة الديمغرافية، ووضع سورية الجغرافي، حيث «اسرائيل» ولبنان و العراق.‏

ما فهم أميركياً هو أن رسالة روسيا و من ثم الصين تأتي في اطار منع مزيد من التمدد الاميركي في منطقة واعدة بفعل «ربيع العرب» بالنسبة لهذه الكتلة الشرقية الجديدة، و تأتي أيضاً في اطار اعلان تمهيدي بأن الوقت قد اقترب لبزوغ قوة جديدة، و أنه آن الآوان لاقتسام صدارة العالم التي كانت حكراً على الولايات المتحدة خاصة، و غرب تابع لسياستها عامة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية