تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أميركا ...عملاق يعاني أمراض الشيخوخة

شؤون سياسية
الأحد 19-2-2012
حسن حسن

في مقالة منشورة في صحيفة «آسيا تايمز»، يشير أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة بوسطن أندروباسيفيتش، إلى التغيرات التي طرأت على العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى وضع الولايات المتحدة فيه.

فواشنطن الأربعينيات التي خفت نحو أوروبا تنقذها من عواقب الحرب العالمية الثانية، غير واشنطن اليوم، المثخنة بالمشكلات والهموم . و«كل سكان العالم يدركون ذلك ، ولعله قد حان الوقت أخيراً ، للأميركيين -بدءاً من الساسة منهم - أن يدركوا ذلك »كما يقول الكاتب.‏

يقول باسيفيتش: يمر النظام الدولي في الوقت الراهن بتحول جذري ، فعالم ما بعد الحرب الذي ظهر إلى الوجود نتيجة للحرب العالمية الثانية شارف على الانتهاء ، وتجري الآن إعادة توزيع دولية للسلطة ، والترتيبات التي منحت الولايات المتحدة امتيازات استثنائية ذات يوم ، وعادت على الشعب الأميركي بفوائد جمة، يجري الآن الرجوع عنها . ولكن في واشنطن طبقة حاكمة ضيقة الأفق ، تتظاهر بأن شيئاً من ذلك لن يحدث ، وتصر بعناد على أن الوضع لايزال على ما كان عليه عام 1945، وأن من المحتوم أن يستمر ما يسمى القرن الأميركي عدة قرون أخرى . وهنا تكمن السمة الأشد إثارة للقلق في السياسة الأميركية المعاصرة‏

إن التغير الكبير ، الذي يحدث أمام أعيننا ، سياسي واقتصادي و عسكري ، تؤثر فيه أربعة عوامل على الأقل ، مرتبط بعضها ببعض.‏

العامل الأول: هو انهيار «أجندة الحرية» ففي أعقاب 11 أيلول ، انطلقت إدارة جورج دبليو بوش لإعادة تشكيل «الشرق الأوسط الكبير» وكان ذلك الهدف الاستراتيجي الأقصى لحرب بوش على الإرهاب.‏

فقد سعى بوش ، العازم على أن ينجز في العالم الاسلامي ما أعتقد أن الولايات المتحدة أنجزته في أوروبا ومنطقة المحيط الهادئ بين عامي 1941و1945 إلى إقامة نظام جديد يفضي إلى خدمة المصالح الأميركية، نظام يتيح الوصول إلى النفط والمصادر الأخرى من دون عوائق ، ويجفف منابع الأصولية الإسلامية العنيفة، ويطلق يد «إسرائيل» في المنطقة ، وكان المفتاح لنجاح هذا المسعى هو الجيش الأميركي الذي اعتقد بوش أنه لا يقهر ولا يمكن الوقوف في طريقه ، وأنه قادر على هزيمة أي كان في أي مكان وتحت أي ظروف.‏

ولكن ، ما كاد يشرع في تطبيق «أجندة الحرية» حتى انهارت على الفور في العراق. وكان من بين أبرز النتائج ، ما نعلمه الآن ، من أن قوة الجيش الأميركي ، مهما تكن مهيبة، فإنها أقل من أن تمكن الولايات المتحدة من فرض إرادتها على «الشرق الأوسط الكبير» فالولايات المتحدة لا تقدر على تحرير العالم الإسلامي ، أو الهيمنة عليه أو ترويضه ، وذلك رأي يتضح بالحكم على عهد بوش ، ويؤكده استمرار مغامرات الرئيس باراك أوباما الفاشلة في أفغانستان وباكستان . ولن يؤدي بذل المزيد من الجهد في المحاولة ، إلى نتيجة مختلفة ، وقد أدرك وزير الدفاع المنصرف، روبرت غيتس هذا الواقع الجديد ، بالقول: «إن أي وزير دفاع جديد ينصح الرئيس بأن يرسل مرة أخرى جيشاً برياً أميركياً كبيراً إلى آسيا أو الشرق الأوسط أو إفريقيا ، ينبغي «فحص قدراته العقلية» كما عبّر عن ذلك الجنرال ماك آرثر بدقة».‏

والعامل الثاني، هو «الكساد الكبير»: ففي تاريخ الاقتصاد الأميركي، يشكل انفجار فقاعات المضاربة موضوعاً متكرر الحدوث. وأنشطة وول ستريت غير النزيهة، التي تترك البسطاء يدفعون الفاتورة، حكاية مكررة. وأزمات الركود من هذا الحجم أو ذاك، تحدث مرة على الأقل في كل عقد من الزمن. ولكن الانكماش الاقتصادي الذي بدأ عام 2008 متميز في حد ذاته، بشدته، واستمراره، ومقاومته لأقوى محاولات العلاج وأكثرها تطرفاً. وبهذا المعنى، فإنه لا يشبه حالات الترهل الاقتصادي أو المتاعب التي حدثت خلال نصف القرن المنصرم، بل إن الكساد الكبير في أيامنا هذه، يعيد إلى الأذهان الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. فهو ليس ظاهرة عابرة بل يجسد تحولاً من مرحلة إلى مرحلة فيما يبدو. وقد دشن عهداً جديداً من انخفاض معدل النّمو، وارتفاع البطالة وانكماش الفرص، وهو غير محدد الطول، ومن المتوقع أن يمتد سنوات عديدة.‏

والعامل الثالث: هو الربيع العربي، فكما هي الحال مع الاقتصاد الأميركي المتخبط، هي مع السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، إذ يظل التنبؤ بالمستقبل مسألة غير مضمونة، ولكنه يمكن القول: إن الهبّة العربية الحالية، سوف تقتلع مع تلك المنطقة آخر ذرات الامبريالية الغربية. ولكن واشنطن، المأهولة بأناس واثقين بأن القرارات التي تتخذ في البيت الأبيض تقرر مسار التاريخ، سوف يصرون على عكس ذلك بطبيعة الحال.‏

والعامل الرابع: هو التماس أوروبا المحاصرة بالمشكلات، طوق النجاة من أميركا، ففي القرن العشرين، كانت أوروبا تسيء التدبير، فتأتي أميركا لإنقاذها كما حدث في الحربين العالميتين. واليوم أساءت أوروبا تدبير الأمور مرة أخرى، ومن حسن الحظ أنه لا توجد حاجة هذه المرة إلى جيوش أجنبية لإعادة الأمور إلى نصابها. فالأزمة اليوم اقتصادية، وتعود برمتها إلى تهور أوروبا وإلى مسؤوليتها. ولكن، هل سيخف العم سام للإنقاذ مرة أخرى؟! أغلب الظن، لاتوجد فرصة لذلك. فالعم سام الذي أثقلته أمراض الشيخوخة، لا يستطيع حتى امتطاء حصانه.‏

لكن الساسة الأميركيين، يكتفون بترديد كليشيهات مملة عن القيادة الأميركية للعالم، وعن التميز الأميركي، وعن ذلك القرن الأميركي الذي لا ينتهي أبداً. وهم يريدون منّا أن نصدق أن كل شيء سوف يظل حيث كان، شريطة وضع الشخص المناسب في البيت الأبيض.‏

يقول أندرو باسيفيتش: إن أميركا لم «تنته» ومع ذلك، فإن الأدلة المتراكمة تفيد بأن أميركا اليوم، غير أميركا، 1945 وأن النظام الدولي في الوقت الحاضر، لا يحمل أي شبه بالنظام الذي وجد في «أيام عز» السلطة الأميركية. وكلّ من على كوكب الأرض يدرك ذلك. وقد حان الوقت للأميركيين- بدءاً بساستهم- أن يفعلوا ذلك. فإن رفضوا فالقصاص العادل في انتظارهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية