|
شؤون سياسية بدليل أنه لم يعد يسمع أي حديث عن الإصلاحات المطلوبة لا من جانب ما يسمى بالمعارضة, ولا من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية والسائرة في ركاب سياسات هذه الدول, بل أصبح المطلوب هو العمل على إعاقة الإصلاحات المطلوبة, التي باشرت القيادة في سورية بإجرائها كي تبقى لدى أطراف المؤامرة ذريعة لمواصلة تآمرها. لقد سقط القناع عن وجوه الجميع واتضحت المسألة بجوهرها على أنها معركة حامية الوطيس بين إمبراطورية تعيش هاجس التراجع والانحدار, وتقاتل بشراسة للدفاع عن عرشها, وبين دولة عظمى أخرى حُطم عرشها وتحاول الآن استعادة مكانتها كقطب موازٍ للقطب الأمريكي الأوحد بعد أن استطاعت النهوض من كبوتها والوقوف على رجليها, وبين هذه وتلك هناك دولة كبيرة أخرى تربعت على عرش الاقتصاد العالمي, وتتطلع إلى أن يكون لها دور سياسي بارز يتناسب مع قدرتها الاقتصادية أي الصين وهناك أيضاً الإمبراطوريات القديمة التي تحلم باستعادة نفوذ ما أو موقع ما لها على الخريطة الجديدة المرسومة للمنطقة العربية في دهاليز الدوائر الأمريكية والأطلسية وفي غرفها المغلقة. من هنا تأتي أهمية الوضع في سورية للعديد من القوى العالمية والإقليمية فالولايات المتحدة الأمريكية تسعى لتنفيذ استراتيجيتها الجديدة في المنطقة التي طبقتها في ليبيا قبل أن يعلن عنها الرئيس أوباما بشكل علني, وتقضي بأن يضطلع الحلفاء الأوربيون بالدور العسكري عندما يتطلب الأمر تدخلاً عسكرياً في منطقة أو موقع ما في العالم والسبب أن ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لم تعد قادرة على تحمل النفقات عن الجميع, كما أن معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية لم تعد تحتمل أن يزج الجيش الأمريكي في حروب جديدة بعد حربي العراق وأفغانستان , لأن أي حرب جديدة تعني أن الرئيس أوباما نكث عن تنفيذ وعود أطلقها لناخبيه وللعالم. من هذه الزاوية سارع الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى إعلان قيام تجمع ما سماه بالدول الصديقة للشعب السوري, أي الداعمة للمعارضة الخارجية وخاصة مجلس اسطنبول, هذا التجمع الذي قد يقوم بالتدخل العسكري ضد سورية , بناءً على طلبات المجلس المذكور من خارج إطار مجلس الأمن, بعد أن يئست واشنطن والعواصم الغربية الحليفة لها من منع الفيتو المزدوج داخله, علماً بأن هذا التدخل بدأته فرنسا وانكلترا على طريقة الحرب الناعمة أي الحرب الاستخباراتية, وإرسال وحدات خاصة للتدريب والتخطيط والتسليح إلى شمال لبنان, حيث يتعاون تيار المستقبل مع هذه الحرب الناعمة بأشكالها المختلفة , وعن طريق التواصل الحميم والقوي مع العصابات الإرهابية المسلحة في الداخل والذي تعكسه بوضوح تقارير المراسلين الأجانب بما في ذلك الصحفيون الفرنسيون الذين دخلوا إلى سورية بعد فتح الباب أمام الصحفيين الأجانب, ولكن هذه الحرب الناعمة قد تتطور إلى تدخل عسكري فعلي جواً وبحراً. إذاً, دعوة ساركوزي هذه متفق عليها مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار عدواني ضد سورية. من جهة أخرى , فإن روسيا تدرك تمام الإدراك أن إسقاط سورية الممانعة والمناهضة لمشاريع الهيمنة الأمريكية- الصهيونية على المنطقة العربية سيضر بمصالحها الحيوية كثيراً وفي مقدمة ذلك منعها من الوصول إلى المياه الدافئة والقضاء على أي وجود روسي في البحر المتوسط,إلى جانب أنها ستخسر حرب الغاز التي تعتبر العمود الفقري لقوة روسيا الحالية , هذا كما أنها يمكن ألا تسلم من محاولات إثارة الاضطرابات الأمنية والعرقية والدينية في الداخل الروسي, وبالتالي إشاعة حالة عدم الاستقرار. إذاً , فروسيا ليس فقط أنها ترغب في العودة إلى الساحة الدولية كلاعب رئيسي موازٍ للولايات المتحدة , وهذا حق طبيعي لها , بل ستحصن نفسها ضد محاولات نشر الفوضى فيها وضد محاولات تفكيكها. أما الصين, فهي تريد أن يكون لها دور على الساحة العالمية, ولاسيما بعد نهوضها الاقتصادي الكبير , كما أنها لا تأمن مخاطر خطط الولايات المتحدة واستراتيجياتها الرامية إلى نقل الأولوية الأمريكية إلى المحيط الهندي وإلى الدول الآسيوية المحيطة بالصين, وهذا ما أشار إليه الرئيس الأمريكي أوباما مؤخراً, إضافة إلى نظريات بريجنسكي حول استراتيجية محاصرة الصين بهلال إسلامي, إلى جانب أن الصين لم تنس بعد محاولات إثارة الفتن الداخلية في بعض المقاطعات الصينية,. ومسألة (الدالاي لاما) التي خلقتها وشجعتها الولايات المتحدة معروفة للجميع وما زالت قائمة. إن ما يلفت النظر بالنسبة للولايات المتحدة هي أنها انزعجت من الفيتو الروسي الصيني المشترك لأبعد الحدود وراحت المندوبة الأمريكية تجمع أوراقها وسمات الغضب والحنق على وجهها الكالح احتجاجاً على هذا الفيتو وكأنها محامية عن الديمقراطية وعن حقوق الشعوب في الوقت الذي يعرف فيها العالم أن بلادها عاثت في العالم فساداً وقتلاً وتدميراً من إفنائها للهنود الحمر في بلادهم الأصلية إلى حروب أخرى متتالية كان آخرها حربي أفغانستان والعراق ناهيك عن حربها في فيتنام حيث ذهب ضحية هذه الحروب ملايين البشر ما بين قتلى ومفقودين وأصحاب عاهات. إذاً الولايات المتحدة آخر من يحق لها التحدث عن حقوق الإنسان , هذا إذا جاز لها التحدث عن ذلك أما الفيتو الذي استعملته في مجلس الأمن للدفاع عن جرائم إسرائيل وانتهاكاتها بحق الفلسطينيين فحدّث ولا حرج, ولا يحق لأحد التذكير به أو الاعتراض عليه!. إن الولايات المتحدة لا يمكن في يوم من الأيام أن تتوقف عن انحيازها الأعمى إلى جانب إسرائيل, ولا يمكن أن تقف إيجابياً من أي قضية عربية , بل تتصرف بما يتوافق مع مصالحها الحيوية, وإذا كانت الإدارة الأمريكية تظهر أنها تساعد بعض دول ما يسمى بالربيع العربي فهي تبغي من هذه المساعدة ثمناً باهظاً يدفع لها وهو أن تقف الأنظمة في دول هذا الربيع إلى جانبها وتنفذ سياستها , وهذا ما بدأت تقطف ثماره من خلال ما أعلنته بعض الأنظمة الجديدة بأنها لن تعادي إسرائيل وبأنها تريد عقد اتفاقيات جديدة معها حول بعض المسائل الخلافية,هذا إضافة إلى الارتماء في أحضان الإدارة الأمريكية لحماية أنظمتها والاستمرار في أداء دورها الجديد , رداً لما تسميه الجميل الأمريكي. ختاماً لا بد من القول بأنه من المؤسف أن تصبح الجامعة العربية في مثل هذا الوضع, بحيث لم تعد منظمة إقليمية عربية تحافظ على استقلالية قرارها, بل أصبحت أداة لتنفيذ أجندة خارجية بعد مواقفها الأخيرة , بدءاً من قيامها بطلب التدخل الأجنبي في ليبيا, وانتهاء بمحاولاتها لتكرار هذا التدخل في سورية , خاصة أن المسيطرين على قراراتها ليسوا أمينين على المصلحة القومية ولا حتى على مصالح بلادهم الوطنية. ولكن مع هذا , فإن الفيتو الروسي الصيني المشترك سيمهد الطريق أمام ولادة عالم متعدد الأقطاب وينهي انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم والاستفراد بالقرار العالمي وتسخير الهيئات الدولية والإقليمية لحماية مصالحها ومصالح حلفائها الأطلسيين . |
|