|
معاً على الطريق ونصفها بأنها المذهلة، والمبهرة، والمتسارعة، والتي تفاجئنا كل يوم باكتشاف أو اختراع جديد وهي تكاد تحطم الحدود الفاصلة بين العلم والخيال. رفاهية أصبحت في متناول إنسان اليوم لم يكن أكثر الناس جرأة فيما مضى يحلم أن تصبح واقعاً.. لكن أموراً كثيرة في الحقيقة قد تبدلت وتغيرت في مسار حياتنا وفي تفاصيلها، وحتى في قيمنا ومفاهيمنا الإنسانية بتأثير تلك المتغيرات. هل أنا أتجنى على حضارة اليوم وما أفرزته من رفاهية للإنسان؟ ولِم أفعل إذا كانت تلك الرفاهية قد جعلت حياتنا المعاصرة أكثر سهولة وليونة وسعادة أيضاً مما كانت عليه قبل أن نصل الى ما وصلنا اليه؟ وماذا في أن تقدم لنا تلك المنجزات جهاز تلفاز بشاشات رحبة، أو هواتف نقالة تحطم الغربة، أو شبكة من الاتصالات تصل شمال الأرض بجنوبها قبل شرقها بغربها، وغيرها وغيرها من الكاميرات الرقمية الى المشغلات الموسيقية، أو الدفاتر الإلكترونية، أو الشاشات الورقية، أو المنازل الذكية؟ أليس كل هذا ثمرة جهود الإنسان ودائبه في الاكتشاف والابتكار والاختراع؟ ولكن هل هذا هو فقط ما تمدنا به حضارة اليوم؟ أم إننا مدينون لها بأكثر من هذا ونحن نتابع العجيب والغريب من مبتكراتها وإبداعاتها؟ أليس رائعاً أن يستطيع المرء ترجمة الأفكار إلكترونياً، أو أنه يقرأ بالأشعة الأفكار، أو أن يحصل على قفازات تحقق التواصل دون اللغات، أو أن تقوم النجدة الإلكترونية بإنقاذ الأرواح، أو أن يزود منزله بأنظمة رصد يتحكم بها عن بعد بواسطة الهاتف النقال، أو أن يشتري غسالة موسيقية أو ثياباً ذكية تغني عن الطبيب، أو أن يرتدي قميصاً صداحاً بأحلى النغمات، أو أن يصبح لديه ورق ناطق للإعلانات، أو مائدة ذكية تجمع كل الأطباق الشهية؟ كل هذا بل وأكثر من هذا أصبح واقعاً ولو انه لم يزل ليس شائعاً. لكن الإنسان مقابل كل هذا لم تغادره فكرة الحروب واستغلال الآخر، فإذا به بالمقابل يصنع كل أصناف أدوات الحروب، والعلم يغذيها كما يغذي وسائل الرفاهية ليكون لدينا ما هو أكثر فتكاً من القنابل الذكية، والأخرى التي تحركها الأقمار الصناعية. وكأن الإنسان مقابل رفاهيته الفائقة يصنع بيده ما يمكنه أن يدمر كل هذه الإنجازات بلمحة عين. ويبقى هو الإنسان الذي يقف في منتصف الطريق بين الجنة والنار.. أو بين الرفاهية والدمار.. والثمن مدفوع سلفاً من إنسانية الإنسان وهو يفقد مع إشراقة كل صباح جزءاً منها. لكن الشمس تظل تشرق في كل يوم.. وربما مزارع بسيط في مكان ما على الأرض يزرع القمح بيده، ويحصده بعرقه، فيغمره الضياء رغم الأنواء فلا يسأل عن آلة تسعفه، ولا عن دواء ينقذه لأنه غير مستعد لأن يدفع ثمن الحضارة من إنسانيته مقابل رفاهيته.. أما سعادته فلاشك أنها الأكبر لأنه في الطريق الأقصر ما بين فطرة الإنسان النقية وما تأتي به التقنية. لا نريد أن نتهم الحضارة، ولا نريد أن نقف في وجه الرفاهية لكننا لا نريد في الوقت ذاته للإنسان أن يفقد إنسانيته مقابل إغراء رفاهيته، أو أن يقف في منتصف الطريق وهو ينظر في اتجاه بعيون ضاحكة وفي آخر بعيون دامعة.. ولا أن يزرع الألغام في حقول ويطور بالمقابل سلالات من النحل لتكشف عنها.. أو أن يزرع الحروب ثم يعود لإعمار الدروب. نريد للإنسان أن يظل إنسانا قبل أي شيء وحتى لو كلفه هذا أن يدفع من ثمن بهجته وسعادته مقابل بقائه ونمائه.. واستمرارا لمسيرة الإنسانية في التآلف والتعايش والتكافل. |
|