|
مجتمع
يارا حسين التي تعمل في مهنة التدريس أفادت عن مُعاناتها من مرض نفسي منذ سنتين وهو الاكتئاب، وكانت تلك الحالة تدفعها للتفكير بإيذاء نفسها، حتى أنّ هاجس الانتحار راودها أكثر من مرة، وكانت تعمل على إحداث خدوش وجروح في يديها، وقد أصرّت والدتها على عدم البوح لأحد بما تُعانيه ابنتها خوفاً من عدم تَقدّم عريس لخطبتها إذا عرف الناس بمرضها بينما كان ذلك الأمر آخر ما تُفكّر به يارا خلال معاناتها، وتُضيف أنها تناولت أنواعاً كثيرة من الأدوية بعضها مُهدىء كان يتسبّب لها بالخمول وبعضها مُنشّط كان يمنعها من النوم، لكنها في مرحلة معينة قرّرت مواجهة الحياة بكل صعوباتها وتخلّت تدريجياً عن الدواء حتى عادت طبيعية إلى حد ما. بدوره يرى المهندس حسن بدر أن المرض النفسي شائع وليس عيباً، لكن المجتمع ينظر إلى المريض على أنه إنسان مختلف ومن الخطورة التعامل معه، ويذكر حسن قصة مرض ابنه وكيف ابتعد عنه أصدقائه وأصبح الأولاد في الحي يسخرون منه ويتهامس الجيران كلما شاهدوه، رُغم أنّ المرض النفسي لا يختلف عن الجسدي كثيراً وهو قابل للعلاج ولا يعني بأي حال أن المريض ليس إنساناً عادياً، وفي بعض الدول يُجري الأشخاص فحوصاً سنوية لاختبار جاهزيتهم النفسية كلما شعروا بضغوط الحياة ومتاعبها للتأكد من وضعهم وأنّ ذلك لا يُسبّب لهم أي نوع من الحرج الاجتماعي. عمّار الخالد الذي يعمل في مجال التسويق أوضح أنه يجب إخفاء المرض النفسي عن الوسط المحيط كي لا يُسيء الآخرون التعامل مع المريض ويتعاملون معه على أن لديه مشكلة عقلية، رغم أنه مرض قد يكون بسيطاً ولا يستوجب اللجوء إلى الطبيب، لأنّ معظم الأمراض النفسية تتعلق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية ويمكن للإنسان أن يتفهّم الصعوبات ويعمل على حلّها بدلاً من العلاج، كما يمكن البوح لأحد المقربين وأخذ النصيحة. (خطورة بعض الحالات تستوجب العلاج السريع) أم أحمد ربّة منزل بيّنت أن ابنها واجه مشكلة نفسية خطيرة، وظهرت الحالة عليه عندما وصل إلى استخدام العنف والتلويح بالقتل، وكانت الأم تظن أن ذلك السلوك يتعلّق بالمُراهقة، لكن الاضطرابات بدأت تزداد وأصبح أحمد يكره الدراسة، ما دفع الأسرة إلى مراجعة طبيب حيث تأكد أنه مصاب بمرض نفسي، يعيش في عالم منفصل عن الواقع، كما أنه يرى أشياء ويسمع أصواتاً غير موجودة، بعد ذلك أُصيب بالهلوسة، وكان أصعب شيء رفض الابن الذهاب إلى الطبيب لاعتقاده أنه شخص سليم وأن ما يراه ويسمعه حقيقة، لكنه تعافى بعد سنتين من العلاج. المُعالج النفسي أحمد زعويط أشار إلى أن هنالك أشخاصاً يُدركون أنّ لديهم مشكلة نفسية بينما يتردد آخرون في مُراجعة الطبيب النفسي وخاصة الذين يُعانون من الإدمان، وثمّة أشخاص يَطلبون معالجاً نفسياً لمُتابعة حالتهم كالذين يُعانون من حالات الهلع والرُّهاب من الأماكن المرتفعة أو المغلقة أو ركوب الطائرات، مؤكداً وجود أشخاص يرفضون العلاج النفسي ويحاول الطبيب إقناعهم، مشيراً إلى أنه تختلف شدّة الاضطراب وزمنه من شخص لآخر إذا كان قديماً أو غير ذلك، وأي علاج يحتاج لجهد ومتابعة، ولكل اضطراب طريقة علاج مختلفة عن الآخر، وحسب تصنيف الاضطرابات النفسية هنالك اضطرابات القلق ومن ضمنها زمرة الوسواس القهري واضطراب الشدة ما بعد الصدمة واضطراب المزاج (الاكتئاب) والمزاج الدوري، وبالنسبة لفترة علاج الحالات بيّن زعويط أنها تستغرق من 10 - 15 جلسة حسب الحالة، لكن في حالات معينة تأخذ وقتاً أطول. الطبيب النفسي حازم جودة ذكر أنّ هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الإنسان بالمرض النفسي وهي أسباب وراثية فسيولوجياً وأسباب نفسية بيئية وكذلك الصدمات الانفعالية، وأنّ المشكلات النفسية قد تكون على درجة من الجديّة ولا بد من معالجتها لأنها تؤثر على الحياة اليومية للمريض، ومن بينها طيف الفصام واضطرابات ذهانية أخرى تسبب الأوهام والهلوسة، وكذلك اضطرابات اكتئابية تؤثر على الشعور العاطفي، ويؤكد جودة أن ثقافة مراجعة الأطباء النفسيين لم تترسّخ بشكل مناسب في مجتمعنا، وأن الكثيرين يخجلون أو يترددون في القيام بذلك. رغم اختلاف الآراء بشأن المرض النفسي والإعلان عنه أمام المجتمع، يبدو أمر مُتابعته واللجوء إلى الطبيب أو المعالج المختص أمراً هاماً، ويبقى لأسرة المريض الحق بالإفصاح عن حالة ذلك المريض أمام الآخرين أو غير ذلك، فيما يتطلّب هذا الموضوع توعية مجتمعية للتركيز على ضرورة العلاج كما هو الوضع بالنسبة للأمراض الجسدية. |
|