تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في تحدٍّ للأسرة و المدرسة تدخين اليافعين بداية لسلوكيات سلبية

مجتمع
الثلاثاء 31-1-2012
منال السماك

بعيداً عن رقابة الأهل تحلق عدد من الأطفال بلباسهم المدرسي ، و الذي يوحي بأنهم في المرحلة الإعدادية ، أبدوا شغباً و صدر عنهم الكثير من الصخب ، تنازعوا و اختلفوا و من ثم اتفقوا ،

و لكن خلافهم لم يكن للتباحث في إحدى المسائل الرياضية أو للتشاور حول كتابة وظيفة مدرسية ، و إنما لتقاسم علبة السجائر التي كانت بحوزة أحدهم ، حيث أخذ كل منهم نصيبه منها ، و بدؤوا بتدخينها بشراهة أمام أعين المارة ... تساءلت بداخلي أين أهل هؤلاء الأطفال ؟ و ما الذي يجعلهم يدخنون و يفسدون براءة طفولتهم و يضرون بصحتهم ؟‏

تقليد للكبار‏

رغم كثرة التحذيرات من مضار التدخين ، لا أحد منا يستطيع إنكار تفشي هذه الظاهرة الخطيرة بين طلاب مدارسنا ، حيث يتوارون عن العيون للتدخين داخل الحمامات ، أو يمارسون هذه العادة خارج أسوار المدرسة في الأزقة و الشوارع ، و بخصوص هذا الموضوع يعتبر المختصون النفسيون أن النمذجة تعتبر من أهم أسباب التدخين عند طلاب المدارس، حيث يميل الطالب إلى تقليد من هو أكبر منه لأنه يعتبره قدوته ومثله الأعلى، فالأب في البيت يدخن والمعلم في المدرسة يدخن، و عندما ينهى عن سلوك ويأتي بمثله فيكون من الصعب عليه إقناع الطالب بمضار التدخين، وذلك عدا عن القدوة والنماذج التي يراها الطالب في التلفزيون والأفلام والفنانين الذين يعتبرهم قدوته ومثله الأعلى، وتلعب الدعايات الإعلامية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة حيث أثبتت الدراسات أهميتها في رفع مستوى الدافع لدى الطلاب للتدخين، والمشكلات الأسرية قد تكون أحد الأسباب لممارسة عادة التدخين لدى الطلاب الذين يعانون عدم الاستقرار الأسري مما يدفعهم لممارسة التدخين ظناً منهم بجدواه للتخفيف من الضغوط النفسية، كما أن توفر الدخان في أغلب المحلات التجارية يعين الطالب على الحصول عليها بثمن قليل.‏

ومن أسباب التدخين أيضاً عند الطلاب هو الميل لإثبات الذات، فمرحلة المراهقة فيها الكثير من تقليد الرجال وهي منعطف نحو مرحلة الرجولة التي يصبو إليها الطالب المراهق ويتمنى أن يصلها، فيميل إلى التدخين بصفته سلوكاً يقوم به الرجال المستقلون والقادرون، والاعتقادات الشخصية لدى الطلاب عن التدخين بأنه مفيد أو أنه يرفع من شأن المدخن عند الآخرين أو أنه مفيد لمواجهة الظروف الصعبة يزيد من نسبة المدخنين، إضافة إلى الدافع نحو المغامرة والاستكشاف وخوض التجارب، فالطالب يريد أن يجرب بغض النظر عن النتائج وبغض النظر عن قناعته بمساوئ التدخين .‏

إضافة إلى أن كل ممنوع مرغوب فيميل إلى استكشاف هذا الممنوع وتجريبه، خاصة أن هناك جزءاً ممن حوله يدخنون ويغرونه بالتدخين، فيقع أمام خيارين إما أن يثبت لهم أنه رجل وقادر على التدخين أو الابتعاد عن التدخين و ينظرون له أنه خائف أو جبان أولا يتمتع بسمات الرجولة.‏

لا مبالاة بالدروس و الواجبات‏

و يؤكد المختصون أن من آثار التدخين أن الطالب يشعر باللامبالاة بدروسه وواجباته المدرسية، وهمه الوحيد هو حياة أخرى بعيدة عن المدرسة وعالم الدراسة وهي مرتبطة بعالم الأقران وحياتهم الخاصة التي يصبو إليها، حيث ينفق الطالب مصروفه اليومي على شيء غير مفيد ومثمر، ويتحول إلى مجرد لاهث عن السيجارة، والرائحة الكريهة التي تصدر منه قد تبعد الآخرين عنه.‏

إضافة إلى أمر آخر مهم للغاية وهو محاولة الطالب المدخن إخفاء هذا الأمر عن أسرته ، لعلمه أنه اقترف شيئاً خطأ، وعندما يعتاد الطالب على إخفاء التدخين عن أسرته يعتاد على إخفاء أشياء أخرى وسلوكيات لا أخلاقية أخرى قد يمارسها فيما بعد، فيعيش في صراع داخلي بين ما يظهره لوالده من طاعة واحترام، وبين ما يكنه في قلبه ويخبئه عنه، فيجر سلوك التدخين إلى سلوكيات أخرى كالكذب الذي يجعله يشعر بالذنب بين وقت وآخر.‏

عدا عن أن التدخين سلوك مرتبط بسلوكيات أخرى، أو قد يجر تلقائياً إليها كونه سلوكاً يعتبره الطالب نوعاً من التحدي للأسرة التي تمثل المدرسة أو البيت، وعلى الأغلب يكون قد اكتسبه من رفاق السوء الذين قد يجرونه إلى سلوكيات لا أخلاقية أخرى مثلما جروه إلى هذا السلوك السيئ الذي يعتبر مفتاحاً لسلوكيات أخرى غير مقبولة اجتماعياً.‏

نشر الوعي بين الطلاب‏

إن من واجبات المدارس للحد من هذه الظاهرة التوعية منذ الصغر وعدم إتاحة المجال للمعلمين بالتدخين في المدرسة أو حتى في ساحاتها، وعرض حالات واقعية تأثرت سلباً من التدخين، إضافة إلى تغيير المفاهيم عند الطلاب عن التدخين باعتباره أحد مقومات الشخصية الرجولية، ، والتوعية المستمرة عبر الأحاديث التوجيهية واللقاءات المفتوحة والأنشطة الطلابية والنوادي المدرسية واللافتات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والالكترونية، ونشر المقالات العلمية حول مضار التدخين، وتكليف الطلاب بالقيام بها، وعرض الأفلام التوعوية، ونشر الإحصاءات والصور التوضيحية خاصة تلك المتعلقة بالجوانب الصحية ذات الصلة بالتدخين، ومعاقبة الطلبة المدخنين وفق الآليات المناسبة لذلك، و مشاركة أولياء الأمور في أساليب الوقاية والعلاج.‏

بدائل إيجابية لأوقات الفراغ‏

إضافة إلى البحث عن بدائل مثمرة وإيجابية للطلاب تفيدهم في وقت فراغهم بدلاً من اللجوء للتدخين كوسيلة للهروب من المشكلات أو لإشباع الدافع نحو المغامرة أو التجريب، وذلك عبر الأنشطة الرياضية والصحية والفنية والاجتماعية المثمرة.‏

ويعتبر التخلص من سلوك التدخين عند الطلاب دوراً تكاملياً تشترك فيه مؤسسات المجتمع لمكافحة هذه الآفة القاتلة، فلا يمكن أن يلقى العبء على عاتق المدرسة فقط أو الأسرة أو الإعلام أو وزارة الصحة أو حتى المعنيين بالتجارة وغيرها فلابد من إبراز الدور التكاملي ويكون التنسيق في ذلك واضحاً ومقنناً حتى تكون الجهود مركزة لحماية رجال المستقبل و عماده .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية