تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حتى لا نظلم الأمس بمفاهيم اليــــــــــوم

منوعات
الثلاثاء 31-1-2012
سعد القاسم

أتابع باهتمام ومتعة كتابات الزميل والصديق العريق أسعد عبود في زاويته (أعمدة من ورق).. أما الاهتمام فبسبب أهميتها الناجمة عن أهمية كاتبها كواحد من أميز صحفيي (الثورة)

على مدى عقود عدة اتسمت كتاباته خلالها بالبحث الجاد والعمق في تناول الموضوع و فرادة الأسلوب والقدرة على مخاطبة عقل القارئ وضميره مما جعل كثيراً من الوافدين الجدد إلى رحاب الصحيفة (وأنا واحد منهم) يرون فيه مُعلماً،حين ندر المعلمون في الصحافة..‏

و أما المتعة فبفضل وفرة ما تتضمنه تلك الزوايا من تفاصيل عاشها الكاتب،أو شهدها على خلفية المشهد العام منذ خمسينات القرن الماضي،وقد صيغت بأسلوب صحفي رشيق ذي نكهة روائية،يأخذ من الأول وثائقية الحدث،ومن الثانية أدبية السرد..‏

لكل ما سبق تظهر هذه الكتابات (رغم مظهرها الحكائي التاريخي) وكأنما تناقش قضايا راهنة تحتاج لاستمرار الحوار،أو تثير أسئلة جاء وقت طرحها،ففي زاويته صباح الثلاثاء الماضي يقول في معرض استعادة حوار جامعي مع زميل له في مطلع السبعينات : « وللأمانة والصدق.. فإن الطابع العام للرأي العام لم يكن شديد الحزن على التجربة الديمقراطية السورية التي أوقفت مرتين.. » .. ويلفت الانتباه هنا الإشارة (الصادقة) إلى طابع الرأي العام لتلك الفترة حيث كانت اتجاهات عدة تتنافس على المواقف الفكرية،الأضعف بينها من تنادي بالديمقراطية،ذلك أنها لم تكن قد أصبحت (موضة) حينذاك،بل على العكس تماماً فقد كان ينظر إليها بكثير من الازدراء على حد سواء بين أوساط المثقفين الثوريين القوميين واليساريين بكل تفريعاتهم من الماركسيين السوفييت (كما كان يطلق عليهم خصومهم) إلى التروتسكيين والماويين والجيفاريين ودعاة الثورة الدائمة،حتى أن كلمة ديمقراطية كانت بحاجة لوسمها بالشعبية حتى تتطهر من دنس أي شبهة غربية.وكان ذلك قبل سنوات طويلة من تفكك الإتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي وبدء التوبة الجماعية- الانفرادية لكثير من الماركسيين السابقين،وتحولهم إلى الجبهة المضادة فكان أن بشَر( بول وولفيتز) للحرب على العراق،وأفصح (هنري ليفي) عن انحيازه المتطرف لإسرائيل..أما الأمثلة العربية فهي أكثر من أن تذكر..وبعضها لا تستحق أن تذكر..‏

كان الكره للغرب المعادي للعرب والحليف الداعم لعدوهم الأساسي يدفع تلقائياً لرفض مفاهيمه الفكرية وأنظمته السياسية،خاصة مع وجود قوى عالمية تتحدث عن زيف هذه الديمقراطية ،وتؤمن بعجزها عن تحقيق العدالة الاجتماعية كون أنظمتها تقوم أساساً على نهب الشعوب واستغلال طاقاتها،إضافة إلى استغلال الطبقات الدنيا في بلادها ذاتها.وقد ساهم تاريخ الغرب العدواني الطويل تجاه المنطقة (والذي تجدد في التاريخ الحديث بعد أن نالت كثير من البلدان العربية استقلالها وصولاً إلى إقامة الكيان الصهيوني ومن ثم العدوان الثلاثي على مصر) إلى نشوء حالة عربية جديدة تكرست فيها مفاهيم النضال القومي بالترافق مع الدعوة للتخلص من التخلف الذي فرضته بآن واحد عقود الاحتلال الطويلة ،والبنى الاجتماعية - الاقتصادية المستغلة والمتخلفة، وعلى هذا الأساس كان الأمل الجماعي في فعل ثوري يختصر مراحل التطور ويبني القوة ،ويؤسس لتنمية سريعة..فيما بدت الديمقراطية في ذلك الزمان أشبه بالترف الفكري ، خاصة أن التجربتين الديمقراطيتين في التاريخ السوري احتاجتا لسنوات طويلة قبل أن تحظيا بذلك النوع من (النستولوجيا ) الذي يصفي الماضي من شوائبه.ولهذا حديث قادم.‏

www.facebook.com/saad.alkassem

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية