تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الشراكة القائمة على الأخلاق

إضاءات
الأحد 30-8-2015
سلوى خليل الأمين

كلام الرئيس بشار الأسد على تلفزيون المنار، في ظل الحرب على الإرهاب التي تخوضها سورية، يبقى كلامه سيد الكلام، فلا هفوة تستدرك، ولا جواب مموه، ولا أفكار تربك المستمع، ولا لغة مفركشة، بل وضوح رؤية ولغة متينة مبسطة سلسة قريبة من القلوب والعقول،أما المضمون فحدث ولا حرج،

فالصراحة نبل مقاصد، واستقامة أهداف، وثبات على الصمود والجهاد،وثقة مطلقة بالشعب والجيش، قل أن يملك تأشيراتها غيره من الحكام العرب، وثقة مطلقة قائمة على الندية والمبدئية والأخلاق بحلفائه الروس والإيرانيين ودول البريكس مجتمعة، المؤطرة ضمن الحفاظ على سيادة سورية واستقلالها وحرية الشعب في اختيار رئيسه، لأن لا خضوع ولا استسلام ولا تبعية في التعاطي بل احترام متبادل يحفظ الكرامات الوطنية، لهذا حاربوه واستباحوا عرينه على أمل أن السقوط قاب قوسين أو أدنى من طموحات أباليسهم، ونسوا أن رجاحة عقله وفكره المتنور، وعروبته الصافية، ومقاصده العروبية التي لا تشوبها شائبة، ووطنيته المعمقة المتدثرة غمامات سورية التي لا تعرف لبوس الأقنعة، وصفاء نواياه وسريرته الطاهرة هي التي قربته من شعبه، فبات متصالحا مع الناس كل الناس في وطنه، بعكس حكام العرب كلهم، الذين وضعوا السياجات الشائكة والعازلة بينهم وبين شعوبهم، فباتوا يخافون رذاذ الماء، وهدير الرياح، وقصف الرعود، ولا يأنسون لذبابة تخدش بصوتها آذانهم.. لهذا كله صمد ونجح وبات رقما صعبا في زمن سموه خطأ بالربيع العربي، حين انهار الجميع وهرب وخلف وراءه حكايات الفساد والإفساد، ومن لم تصله رياح التغيير يعيش الهاجس المربك في كل لحظة.‏

من ينتظر حديث الرئيس بشار الأسد، حين يتم الإعلان عن مقابلة تلفزيونية معه، نوعان : المؤيدون الذين يأنسون لطول باعه وصبره ولسانه الطلق وذكائه الوقاد، والمنتظرون خفايا المراحل القادمة التي يملك أسرارها وخطوط اتجاهاتها، رغم كل ما يحيط به من أعباء حرب كونية همجية، لا يمكن لحاكم أن يتحملها بهذه الشجاعة والحكمة والصبر الشديد، أما الآخرون المناهضون والمعارضون والقاذفون سورية بسمومهم ونيرانهم الحارقة والمارقة فهم المنتظرون سماعه أيضا عل وعسى يحظون بإحدى زلات اللسان أو الهفوات التي تقودهم من جديد إلى التشويش على الرئيس، عبر فبركة المعلومات التي لا تستند إلى حقيقة مثبتة، سرعان ما تخيب أملهم وظنهم، حين يرون أمامهم قائدا واثقا بالنصر، مؤمنا بشعبه وجيشه، ومتمسكا بتاريخ بلده وفوارسه البواسل الذين ما زالت سجلاتهم مضاءة في صحائف التاريخ، الذي لا يمكن أن يندثر من ذاكرة الناس مهما طال الزمن.‏

هو الرئيس الدكتور بشار الأسد الذي يتقن الالتفاف على لعبة الأمم وحروبها القذرة، فمنذ بداية التلويح بالحرب على العراق كشف المؤامرة الأميركية بكل خفاياها، وكان مؤتمر القمة العربية في بيروت في العام 2002 انطلاقة التحذير ما يهييء من مخططات جهنمية للمنطقة، لهذا عمد إلى تنبيه الجميع من حكام العرب ورؤسائهم إلى الخطر المحدق بالعرب ككل حكام وشعوب، في حال الإذعان للمخطط الأميركي الهادف لإزاحة الرئيس العراقي صدام حسين قائلا : اليوم صدام حسين وغدا من وبعد غد من؟ وصدق حدسه، وكان ما كان من تدحرج الحكام العرب عن كراسيهم باسم ربيع عربي مختلق، والكل يدرك ويعلم، من خلال متابعته مجريات ما سمي بالربيع العربي السيئة، لهذا لا يجوز التكرار.‏

حضور القمة العربية لذاك الشاب القادم من مجال الطب والمعتلي رئاسة سورية حديثا، وخطابه الموزون المدعم بالحقائق والرؤى، أثار دهشة الجميع واستغرابهم، وهذا ما جعلهم مستنفرون لتنفيذ كل مخطط أميركي لإزاحته، بسبب أفكاره الرؤيوية التي لم يسبقه إليها أحد منهم، حيث معتقداته الوطنية المعمقة أخافتهم، لهذا هادنوا الولايات المتحدة الأميركية وصموا آذانهم وأغلقوا عيونهم عن احتلالها العراق وإعدام صدام حسين، وحل الجيش العراقي، وقتل العلماء وسجن النساء والشيوخ وتعذيبهم في سجن أبو غريب والتفجيرات التي تحصد الأبرياء وغيرها من الأفعال الشائنة التي يمارسها كل محتل، أضف إلى هذا عملية فرض العقوبات على الرئيس السوداني عمر البشير وإحالته إلى المحكمة الدولية لأنه أبدى اعتراضه على تجزئة السودان، لكن حين تم تدجينه في ما بعد عبر إجباره على الموافقة على تقسيم بلده بين شمال وجنوب أعفي من العقاب ومن المحكمة الدولية وأصبح حرا طليقا وتم التجديد له لرئاسة أخرى، في الوقت الذي رفض فيه الرئيس بشار الأسد مقترحات وزير خارجية أميركا كولن باول المذلة لوطنه سورية بكل جرأة وشموخ وعنفوان وثبات.‏

كان الأميركي واثقا من سرعة مسار فوضاه الخلاقة التي ابتدعها لتنفيذ مؤامراته على العرب في تونس ومصر وليبيا وصولا إلى سورية حجر الرحى وقلعة الصمود التي لا يمكن إخضاعها بسهولة، بالرغم من الحلفاء الأقوياء الذين حاصروا سورية بأموالهم وأسلحتهم وفتح حدودهم للمسلحين الإرهابيين، الذين تسللوا إلى مدنها وقراها بدعم أميركي، فضحته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في كتابها الأخير حين اعترفت بأنهم هم،أي السلطة الأميركية، من أوجد داعش وزمرها من العصابات التكفيرية الإرهابية، وأمروا حلفاءهم القطريين والسعوديين والأتراك، بتمويلها وضخ السلاح لها ودعمها لوجستيا.‏

لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدركما يقال في الأمثال الشعبية، إذ أن صمود سورية وحكمة قائدها أبطلت مخططاتهم لدرجة أن أوباما صرح يوما قائلا أمام فريقه الخاص جدا منذ أكثر من عام ونصف : لقد خدعونا الحلفاء ولا يعول عليهم بعد الآن، بشار الأسد قوي بجيشه وشعبه وعقيدته الوطنية المعمقة وبحمايته للمسيحيين، لذا علينا التفكير بحل آخر يضعف سورية ويبقيه رئيسا ضعيفا، لكن هذا الأمر أيضا لم يصح مع الرئيس الأميركي وأعوانه في السلطة وحلفائه المأمورين، الذين لا يملكون رؤية تمكنهم من فعل المعجزة المتوخاة، وهذا ما تمكنت سورية من إدراكه منذ اللحظات الأولى، وقد عبر الرئيس عن ذلك في حديثه المتلفز حين قال: إن الإرهابيين هم الأداة الحقيقية وإسرائيل منهم، لذلك إذا أردنا مواجهتها فعلينا أن نواجه أدواتها أولا،وأكد قائلا: إن الولايات المتحدة لا تريد للإرهاب أن ينتصر كما لا تريد له أن يضعف إلى درجة تسمح الاستقرار في المنطقة،بل تريد أن تبقى الأمور تسير باتجاه الفوضى وإضعاف كل الدول.‏

كلام مختصر وثق الحقيقة التي أدرك فصولها الرئيس بشار الأسد منذ بداية الحرب على سورية، لهذا أعلى الصوت مرارا منبها ومستصرخا الحكام العرب العودة إلى ضمائرهم، والعمل على مفهوم الشراكة الأخوية القائمة على المبادئ والأخلاق، كي لا تهتز عروشهم وتضيع أوطانهم، لأن الإرهاب على أبوابهم وفي عقر ديارهم، وها هي الأحداث المتواترة صعدا في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا تثبت أن الإرهاب الذي غذوه ودعموه أصبح قوة لا يستهان بها، إن لم تطهر القلوب والعقول، وتحدث المعجزة التي تكلم عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوجوب تكاتف الدول العربية وتناسي خلافاتها وعداواتها المزمنة والمستجدة من أجل دعم سورية والشراكة المبدئية معها من أجل مكافحة الإرهاب، الذي دق إسفينه في ديارهم، وهذا ما ستقره إن عاجلا أو آجلا السلطة الأميركية الحالية، بعد الفشل الذريع الذي يسجله حلفاؤها على أرض المعركة في كل الجبهات المفتوحة إن في سورية أم في اليمن أم في العراق وحاليا ثورة الشارع اللبناني التي تنذر بالخطر الجسيم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية