|
الافتتاحية حيث الخط المتعرج لوتيرة المواقف الأميركية يشي بملامح المرحلة القادمة وما تحمله، ويمهّد الطريق أمام مشهد تعود فيه الأدوار الوظيفية إلى سابق عهدها، وحروب التوكيلات إلى ما كانت عليه، وسط تحشيد سياسي وإعلامي ملحق به ومسند إليه. فالمشاورات الروسية الأميركية، التي كان يعوّل عليها لفتح ثغرة إضافية في حائط العقم الأميركي، أبرزت موجة مغايرة لما هو منتظر، بل مناقضة، بدليل تلك التصريحات التي تصرّ فيها واشنطن على الاجترار بالمصطلحات ذاتها وتكرار ما لم يعد أحد اليوم بمقدوره الاستماع إليه، حيث تجاوزته الأحداث والتطورات وبات خلف ظهر الجميع، بما فيه جزء من أركان الإدارة الأميركية نفسها، وهو ما يتقاطع مع مشهد الفانتازيا، الذي يصرّ الرئيس أوباما على الاستثمار فيه رغم اكتشافه التضليل المشين من أجهزة استخباراته. لا نعتقد أنه من الصعب فهم دوافع وأهداف التصعيد الأميركي وتوقيته، والرسائل التي يخطها في سياق البحث عن أسباب خروج الأميركي عن أجواء المشاورات وما سبقها، وهي التي اعتادت تقديم فصول من التفسير المتباين لكثير من اللقاءات، ولا يزال تأويلها الأعوج لجنيف واحد ماثلاً، كما يحضر تفسيرها الأعرج لبيان مجلس الأمن الأخير، وهو ما استدعى رفضاً روسياً للتأويل في حينه وللتفسير لاحقاً، ولن يطول الأمر حتى نرى ما يؤشر إلى رفض منطق التدوير الأميركي. في كل الأحوال.. فإن التسخين الأميركي في السياسة والإعلام والتلاعب بالتأويل والتفسير لا يكفي لتفسير التناقض المتعمّد في أولويات واشنطن للمرحلة الراهنة وما يليها، وإن كان يقدم شرحاً مسهباً لأسباب نكوص أدواتها وعودة بعضهم إلى ما قبل المربع الأول، حيث التساؤل المهم من ينقل عن الآخر، ومن يستنسخ عبارات الثاني، هل هي الخارجية الأميركية أم السعودية ؟! في المقارنة الموضوعية يبدو ثمة التباس واضح في النص المنقول أو المنسوخ بعباراته وحرفية كلماته، لكن في جوهره يتضح.. لماذا كانت السعودية السبّاقة إلى الإعلان، ولماذا نطقت بلسان الأميركي الذي اعتمد سياسة المداورة، والأهم لماذا جاءت مشاورات الأميركي مع الروسي بعد حفلة من الزيارات غير المسبوقة للأدوات الأميركية إلى روسيا، وهي تبحث عن دور أو ما يشبه الدور..؟!! وفي الفارق بين أن ينطقها الأميركي أو أن يقولها بعض أدواته، أن تلك الأدوات لا تستطيع أن تكون سوى ظلال هامشية للأميركي، وليس بمقدورها أن تخرج عن النص إلا بإذن مسبق وبتعليمات حرفية حفظتها عن ظهر قلب، وبالتالي فإن العودة الأميركية إلى أوراقها القديمة لا ترتبط فقط بسياق التمترس في الجبهات الأمامية للنفاق، بل تشمل أيضاً التلويح برماد ما احترق منها، ليتحوّل الحديث الأميركي إلى فائض من اللغو لا طائل منه. المؤكد أن السوريين الذين صمدوا وقاوموا التسلّط الأميركي ووقاحة تصريحاته فيما يخص السوريين من دون سواهم، لن يتوقفوا عند فصل جديد من الثرثرة الإعلامية والسياسية التي تحاول أميركا من خلالها أن تملأ فراغ غيابها، أو أن تغطي على مساحات انكشفت من عجزها وفشلها، ولن ينتظروا من أميركا وأدواتها أن تكون معهم في المواجهة ذاتها وعلى خط مجابهة الإرهاب، وهي من صنّعته ووظّفته وأنتجته بالتنسيق الكامل مع تلك الأدوات. النسخة الأخيرة من المواقف الأميركية كانت قد تداولتها عواصم أوروبية ملحقة بها، وتفوّهت بما جاء في المنطوق الأميركي، وإن جاء بلكنة العهد الاستعماري البائد، وبلغة الأطماع المرفوضة في الشكل والمضمون، وبمفردات من الوصائية البغيضة والمنبوذة. تحت هذا العنوان تندرج فصول من التأويل الأميركي ستقابلها فصول ومشاهد من التهريج السياسي، بما فيه من مأساة صاخبة ومضجرة، والتي ستتحفنا بها تباعاً أدوات أميركا وتابعوها من مرتزقة وحلفاء على حدّ سواء في مشهد تجتمع على منصة عرضه كل أنواع التناقضات، وتلتقي على مداخله موبقات أميركا الماضية منها واللاحقة.. ومعها الحالية. عودة اللسان الأميركي إلى النفخ في قربة مثقوبة على مدى سنوات قاربت الخمس، وهي تلوك في مفرداتها الصدئة، يؤشر إلى أن المراوحة في المكان لم يعد بمقدورها أن تظل سارية المفعول، وهناك من يتخندق خلف عوامل الشدّ الخلفي التي تدفع بالجهد الدولي إلى السير خطفاً ومن الخلف، رغم أن كرة النار والتصعيد والتسخين التي تقذف بها واشنطن الآخرين تتدحرج داخل ملعبها وبفعل أدواتها وما تبقّى من مرتزقتها. |
|