تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الخط الفاصل بين المجاملة والنفاق

مجتمع
الأربعاء 22-4-2015
فردوس دياب

تضطرنا الظروف في كثير من الأحيان ولاعتبارات معنوية وأخلاقية أن نجامل الآخرين وأن نفرط كثيرا في الإطراء عليهم ، وهنا تبدأ المشكلة وتبدأ معها التجاوزات السلوكية في التعامل مع الآخرين لجهة ضبط العلاقات بين الآخرين

وفق الحدود الأخلاقية والتربوية والاجتماعية المطلوبة والمفروضة التي يعتبر فيها الخلط بين المفاهيم والمصطلحات أمراً غير صحي في المجتمع، ومنها المجاملة التي تعتبر من الأمراض المجتمعية الخطيرة التي تظهر تداعياتها وأعراضها على المدى البعيد على شكل تورم وفوقية مفرطة للشخص الذي تلفحه المجاملات على مدار الساعة، خاصة إذا كان هذا الشخص مسؤولاً أو ذا شخصية اعتبارية، وهذا ما يؤدي بالنتيجة إلى خلل مجتمعي كبير وخطير يصعب السيطرة عليه فيما بعد.‏

أمر لا بدّ منه‏

السيدة لينا حسن (موظفة) قالت :إنها بحكم عملها تضطر كثيرا إلى المجاملة والبوح بكلمات رقيقة ولطيفة وفيها الكثير من المبالغة والمجاملة أحيانا والكذب أحيانا أخرى ليس مع المراجعين والزملاء فحسب بل مع الأصدقاء والجيران أيضا ، لان الصراحة والحقيقة بحسب وجهة نظرها يصعب تقبلها من الآخرين في هذا الزمن الصعب و ربما تؤدي إلى جرح وخسران الكثير من الزملاء والأصدقاء.‏

من جانبها أوضحت السيدة فتحية احمد( موظفة) أن المجاملة أمر لابد منه في كثير من الأحيان لأنه يصعب وجود اناس يتقبلون الحقيقة والصدق والانتقاد في هذا الزمن ، مضيفة أنها تفضل أن يجاملها الآخرين على أن يقولوا لها الحقيقة في بعض الأحيان، خاصة إذا كانت تلك الحقيقة جارحة ومؤذية.‏

أما السيدة أم قاسم (ربة منزل ) فقالت بدورها إن الناس أيام زمان كانوا يقولون الحقيقة ولو على أنفسهم، وإذا كان هناك بعض الأشخاص الذين يمارسون سلوكيات خاطئة ومغلوطة فكان يوجه إليهم الانتقاد دون مجاملة أو مبالغة، مضيفة أنها من وجهة نظرها تفضل الإنسان الذي يقول لها الحقيقة ويصارحها بأخطائها وعيوبها حتى تتداركها وتصلحها وتتجاوزها، لان الأشخاص الذين يفعلون ذلك هم وحدهم الذين يتمنون لها الخير ، أما الأشخاص الذين يجاملونها بالعلانية ويضمرون لها الشر والكيد والحقد والحسد فهم بالتأكيد لايتمنون لها الخير والسعادة‏

ثقافة وسلوك‏

مما لا شك فيه أن المجاملة ضرورية وهامة في حياتنا سواء أكان ذلك في البيت أم في الشارع أم في العمل وحسب الموقف الذي نواجهه، لكن ذلك لايعني كما أسلفنا في التقديم أن نحول المجاملة إلى ثقافة وسلوك يطبع حياتنا وعلاقاتنا مع الآخرين، فكثير من المواقف تتطلب قول الحقيقة والصدق والإشارة إلى مكامن الخلل والعيوب والأغلاط حتى لو كانت تلك الأخطاء والعيوب صادرة من أهلينا وأقاربنا وزملائنا وأصدقائنا ،لان في مجاملتنا لهم تشجيعا غير مباشر على الخطأ والاستمرار فيه وتعزيز وتراكم للأخطاء والعيوب وصولا إلى حالة من عامة والفساد والنفاق الاجتماعي.‏

تقترب من النفاق‏

قد تكون المجاملة ضرورة ومطلوبة في علاقاتنا الاجتماعية خاصة اذا كان المقصد والغاية منها التودد والتلطف والمسايرة أحيانا، فيما تبقى أهداف النفاق واضحة ومفضوحة لكون المقصد منها هو التملق والخداع والمداورة لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية، لكنها أي المجاملة قد تكون اخطر في تداعياتها من النفاق الاجتماعي حين تتحول إلى ثقافة بين أفراد المجتمع يتجاوزون من خلالها الحد الفاصل بينها وبين النفاق والغش ويتقربون بها من الزيف والخداع ويبتعدون فيها عن مواجهة الحق والحقيقة وقول الصدق.‏

كثير من الناس يقول أن المجاملة ملح الحياة ، وهذا في بعضه صحيح عندما يكون من وراء ذلك هدف نبيل ومقصد راق يستهدف رفع المعنويات و بث مشاعر اللطف والمودة ، لكن إذا فسدت الأهداف والنوايا وأصبحت المجاملة بين الناس لمجرد المجاملة بلا هدف او غاية و دون سبب ، فإنها تصبح فيروسا اجتماعيا خطيرا يتوجب علينا محاربته ومواجهته حتى لا يتحول إلى آفة و داء يستشري في المجتمع ويستحيل معالجته ومواجهته،و البداية تبدأ من كل واحد فينا عبر الطلب من الآخرين عدم مجاملته ومسايرته في أمور العمل والمعاملات والمصلحة العامة وحض الزملاء والأصدقاء والأقارب على نقده وانتقاده عندما يرتكب أو يقوم بخطأ ما، كما عليه بذات الوقت ألا يجامل الاخرين وان يسارع إلى قول الصدق والحقيقة ونقد الآخرين عندما يتطلب ذلك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية