|
آراء على أني قبل أن أحدد هذه الأهداف أحب أن أشير الى أن جميع الاهداف التقليدية التي تذكر للتربية والتعليم -بصورة عامة- وللتعليم الرجالي -بصورة خاصة- تصح بالنسبة للتعليم النسوي, فتربية الجسد وتربية العقل وتربية العاطفة وتربية الإرادة والتربية للمواطنة والتربية الذوقية والتربية المثالية والتربية الاجتماعية كلها -بمجموعها وتفصيلها- مطلوبة للمرأة كما هي مطلوبة بالنسبة للرجل. ولذلك فإني سأقتصر ها هنا على ذكر ما أعتقد أنه خاص بالمرأة أو على الأقل ضروري لها.
1- التربية للأنوثة: بالرغم من أني لا أوافق على ما يدعيه بعض المغرضين أو الجاهلين من أن تعليم المرأة يعرض أنوثتها للخطر, فاني ألاحظ أنه ما لم تتقصد التربية -في البيت والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية- الحفاظ على أنوثة الفتاة وتنميتها وتعهدها بالرعاية فإن حذلقة بعض المتعلمات (أو على الاصح أنصاف المتعلمات أو أشباه المتعلمات) كفيلة بالقضاء على أنوثتهن. وفي كل الأحوال فإن انوثة المرأة هبة سماوية وضرورة حيوية لا تطيب الحياة البشرية بدونها ولا تستقيم إلا بوجودها ونمائها وازدهارها. وما لم تعن التربية النسوية عناية خاصة بهذه الانوثة فإنها إما أن تبقى في المستوى الغريزي الحيواني أو تنحرف الى الاسترجال أو الميوعة أو الحذلقة أو التحليل, وكلها أمور لا تقبل بها تربية صحيحة. 2- التربية للحياة الزوجية: مهما قيل من أن البيت ملك لشريكين وعش لزوجين, فإنه يبقى مملكة لملكة واحدة هي المرأة, تقضي فيه معظم أوقاتها وتشرف على ادارته وتدبيره, وتعمل على إسعاد من فيه, وتضفي عليه من دفء أنوثتها وعطر جمالها وأريج ذوقها ما يجعلها جنة يفيء إليها الزوج والأولاد وينعمون فيه بحنانها وتفانيها. هذه واحدة, والأخرى أن الزوجية مدار حياة المرأة وقطب الرحى في عاطفتها وعقلها وتصرفاتها, هكذا شاء الله وهكذا حتمت الطبيعة وهكذا قضت طبيعة المرأة, قد تخرج المرأة من بيتها لتعمل ولكنها تعيش فيه بخيالها وحنينها, وقد تغيب عنه ساعات لأمر من أمورها ولكنها لا تفارقه إلا بجسدها, وقد تعهد به إلى خادم أو أم ولكنها لا تتنازل عنه لإنسان لأنه محور حياتها, أما الرجل فإنه إذا خرج من بيته انغمس في عمله وانصرف إلى أمور حياته الراهنة. ثم إن الزوجية بالذات وما يتصل بها من علاقات زوجية وحياة مشتركة وعاطفة متبادلة وما لهذا كله من أهمية في حياة الزوج وحياة الزوجة -بصورة خاصة- أصبحت في عصرنا هذا علماً وفناً, إنها تستعين اليوم بمعطيات النفس ومقررات علم الاجتماع وحقائق التربية ومعلومات الفيزيولوجيا والبيولوجيا, فلا بد لمن يتصدى للعملية التربوية من أن يعد المرأة لهذا جميعه. 3- التربية للأمومة: لعلي لا أبالغ إذا قلت إن الأمومة أسمى ما في الوجود البشري, ذلك بأن الأمومة هي حلقة الوصل بين الأنانية والغيرية, وهي الطريق إلى المثالية والأخلاقية وكل قيمة سامية من القيم البشرية, ثم لعلي لا أبالغ إذا قلت إن أمومة المرأة مفتاح شخصيتها ومدار وجودها وجوهر ذاتها. ولذلك كله كان من أهم المهمات تربية المرأة لأمومتها وإعدادها لها ومعاونتها على النهوض بها بالشكل الذي يحقق لها السعادة والراحة والمتعة, ويحقق لأولادها الإفادة الصحيحة من هذا الينبوع الفياض, ويحقق لمجتمعها الخير والتقدم والصلاح. ومرة أخرى فإن الأمومة اليوم لم تعد تنهض على أسس راسخة من العلم والفن والتكتيك, ولقد بات من الواجب أن تستهدف التربية بصراحة وذكاء ووعي تهيئة الأم لأمومتها وتمكينها من النهوض بواجبات هذه الأمومة بالشكل الذي ألمحنا إليه. 4- التربية الجمالية والذوقية: ترتبط المرأة في ذهن الرجل وفي ذهنها هي نفسها -فيما أحسب- بالجمال والذوق, وإذا كنت لا أحب ها هنا أن أتبسط في المعنى الذوق وأنواع الجمال ومظاهر الذوق ومقتضيات الجمال وموجبات الذوق, فإني مع ذلك لا أستطيع إلا أن أشير إلى أن الجمال والذوق عنصران أساسيان من عناصر كل خطة للتربية النسوية يتناولان شخصها وبيتها ومن يلوذ بها, ويتناولان واجباتها وحقوقها كما يتناولان إعدادها لحياتها المقبلة. ولست أقصد من كلامي هذا التقليل من أهمية الجمال والتذوق في تربية الرجل, وإنما أرمي إلى اظهار المعنى الخاص لهذين المفهومين في حياة المرأة وبالتالي في تربيتها وتعليمها. ومرة ثالثة لا بد لي من الاشارة إلى أن الجمال والذوق قد أصبحا في أيامنا هذه قائمين على أساس مكين من العلم والفن والتكنولوجيا وأنه لا بد للتربية من الاستعانة بهذه المعارف جميعها في تربية المرأة وتعليمها واعدادها للنهوض بعملها امرأة وزوجاً وأماً وربة بيت. 5- التربية الاجتماعية: والتربية للمجتمع هدف أساسي من أهداف التربية النسوية, ذلك بأن الطفل يقضي سنيه الأولى في مجتمع الأم سيده الأول, ثم إن المجتمع العائلي هو أول المجتمعات وأهمها, وأخيراً فالمرأة زينة المجتمعات بالإضافة إلى أنها تكون نصف كل المجتمع. ولا شك في أن كل تربية اجتماعية لا تتناول المرأة ولا تعتمد عليها صائرة إلى الفشل ومحكوم عليها بالتأخر, ولذلك كله كان لا بد في تربية المرأة من الحرص على الناحية الاجتماعية في إعدادها لانوثتها وزوجيتها وأمومتها وبيتها وصقل ذوقها وإنماء حسها بالجمال. وبعد:فهذه بعض الأهداف التي رأيت أن أخصها بالتنويه في حديثي عن التعليم النسوي, ومرة أخرى فلست أقصد أن أقلل من أهمية تربية جسد المرأة وعقلها أو عاطفتها, ولكني أقصد فقط أن أشير إلى مساواتها بالرجل بالأهمية والكرامة والحقوق والواجبات من جهة, كما أقصد أن أعبر عن إيماني بعقلها ومساواته لعقل الرجل من جهة ثانية, وأقصد أخيرا أن أنبه إلى دورها, الخاص بها. وفيما عدا ذلك فإن التعليم النسوي يقوم على نفس الأسس ولنفس الغايات وبنفس الطرائق والاتجاهات التي يقوم عليها وبها ولها تعليم الرجل. |
|