|
صفحة ساخرة اعتقد أن لقب بطل ينطبق على صاحبنا نبيه من أكثر من جانب فهو بطل هذا الجزء من سيرة الحب الذي استمر على مدى تسع حلقات وهو بطل في تناول الطعام وقد رأينا أنه أكل زوادات أهل الحارة الذين ذهبوا لزيارة الشيخ علام الدين من أجل الاستطباب وحينما قطعوا زيارتهم ورجعوا إلى البلد علق أحدهم على ذلك بقوله: إنهم عادوا خشية أن يجوع نبيه فجأة فيتناولهم! ونبيه بطل في حمل الأثقال دون أن يدري طبعا ففي ذات يوم كان يلعب على بيدر البلدة فعثر على ديسك تركتور ينوء بحمله أولو العزم من الرجال فحمله بسهولة وجاء به إلى الدار ووضعه أمام باب غرفة الجلوس ما جعل المرور بين داخل الغرفة وخارجها مستحيلا وقد حاول إخوة نبيه الكبار أن يزحزحوا الديسك الثقيل من مكانه فأخفقوا في ذلك فرادى ومجتمعين فلما عاد أبوهم من الفلاحة أخبروه بالأمر وبدوره انتظر حتى عاد نبيه من لعبه على البيدر وامسكه من اذنه بالبنسة وسحبه إلى حيث وضع ديسك الفلاحة وقال له: - احمله وارجعه إلى حيث كان. فنفذ نبيه الأمر دون تلكؤ. وذات مرة اقيمت في صالة الثانوية الصناعية مسابقة لرفع الاثقال شارك فيها رباعون ناشئون من محافظات ادلب وحلب وحماة والرقة وقد ذهب نبيه برفقة مجموعة من أهل الحارة للفرجة على لعبة حمل الاثقال فلما كان الدور على ابن بلدنا ( صبحي الفركة) وقف أمام الاثقال وشرع ينفخ في كفيه ويقدم ويؤخر ثم رفع الاثقال نصف رفعة ولم يعد قادرا على المتابعة فما كان من نبيه إلا أن اندفع نحو المنصة وهو يصيح بصبحي قائلا: خليك على حالك لا تتحرك! ورفعه هو والأثقال على طول يديه دون أن يجري حركة الأمان التي تحمي الرباع من (الفتاق) ووقتها ضجت القاعة بالتصفيق والتعييش ( عاش البطل) وتحمس رئيس اللجنة الفاحصة ووقف ليعلن نبيها بطلا للمسابقة دون منافس يذكر لولا أن وقف أحد زملاء نبيه وقال له: ( بس هادا مجنون) فتراجع عن قراره. صديقي أبو الجود الذي يتابع قراءة سيرة الحب في هذه الصفحة وهو يعرف نبيها حق المعرفة ذكرني بميدان يلعب فيه نبيه دور البطولة دون أن يقصد ذلك أو يعيه إنه مجال الكوميديا وقال لي موضحا: إن ايمان أهل بلدنا بالله تعالى قوي لا يتزعزع ولا يوجد لدى أي منهم شك بأن من سطر في لوحه أنه سيموت في الستين من عمره يستحيل أن يموت في التاسعة والخمسين ولولا هذا الايمان القوي لخرجوا بنتيجة حاسمة مفادها أن أبا أحمد قد انقصف عمره ومات غيظا وطقيقا من تصرفات ابنه نبيه الجنونية! وأبو أحمد كما تعلم إنسان طيب ومحبوب وفي حياته كلها لم يؤذ نملة لذلك فقد اجتمع في داره إثر وفاته رجال كثيرون جلسوا يترحمون عليه ويذكرون محاسنه ويقرؤون له بعض الأجزاء من القرآن الكريم وكانوا قد أخرجوا نبيها من سجنه إكراما لروح أبيه وكان يجلس صامتا يجيل بصره بين الحاضرين بغباء شديد وفجأة وقف وفتح الكتبية وأخرج منها كتاب سيرة الملك الظاهر وامسكه بالمقلوب وقال للحاضرين: بدي اقرأ جزو لأبويه: ياسين والقرآن العظيم ولا الضالين آمين (والتفت إلى زميله في الشقاوة والتشرد سمعو وهو يقول) يلعن شكلك يا سمعو يلعن شكلك بإجري! فترك الناس ما في أيديهم واستلقوا على اقفيتهم من شدة الضحك! وقال لي أبو الجود: يوم كان نبيه مسجونا في تلك الغرفة المطلة على الزقاق من دار ابيه مررت به فوجدته يمط رأسه من النافذة نحو الزقاق وما إن لمحني حتى صاح بي: جايه على بالي يا أبو الجود اعمل لك كفين بس هلق ماني فاضي لك! قلت له وأنا مطمئن إلى ثخانة جدران غرفته التي سجنوه فيها: على راحتك سيد نبيه بس تلاقي حالك فاضي ابعت لي خبر حتى اجي لعندك وتعمل لي كفين! وقد بقي سجين تلك الغرفة حتى مات. |
|