تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أحرس الوقت الذي لا ينام

رسم بالكلمات
الأثنين 28-3-2011م
سليمان محمد نحيلي

ها أنا في الأربعينَ من انتظاري...

أتعلمُ ما هي الأربعون على امرأةٍ ,‏

تعدُّ أيامها حزناً.. حزناً..‏

ترقب بعين أنثى تسَّاقُطَ ربيعها‏

على قارعة الذبول؟!‏

الأربعونَ: انتظارٌ‏

والانتظارُ: نصف الموتِ!‏

حكمة المحاصرينَ على أطلال الأمل‏

أنا ابنة الانتظارِ وأمُّ ساعاتهِ‏

بطءُ جريانهِ على تضاريس جسدي‏

نزيزُ البحرِ مِن ثقب إبرةٍ‏

تقويمُ الزمن المعدنيِّ‏

فلكمْ تقويمكم‏

ولي تقويمي: أيامٌ من الحيرةِ والتَّلهُّف‏

والترّدُّد.. و الأحلامِ‏

فكلُّ الفصولِ لديَّ خريفُ..‏

أربعَّينيةٌ أنا..‏

هوايتي جمع الساعات المعطَّلةِ‏

ولي أنْ أحرسَ الوقتَ‏

ولي اكتمالُ القمرِ كلَّ شهرٍ ..‏

وردةٌ حمراءُ تذبلُ مِنْ عفَّةٍ أوانَ التَّفتُّحِ..‏

ولي اشتهاءُ الأرض للمطرِ‏

لكنَّ هذا العقلَ ناطورٌ قاسي الملامحِ لا يكِفُّ عن اللا..لا‏

أنثى أنا‏

فهل تسمعُ كلَّ ليلةٍ نداءاتي‏

وعويل الكبتِ خلف الجدران؟‏

وهل سمعتَ يوماً هسيسَ نهديَّ تحت قمصانِ النومِ‏

أو فكَّرتَ بفساتيني التي تسفُّ البرودةَ في ظلمة الخزانةِ؟‏

أنثى أنا ..‏

ولي بساتينٌ ودوحْ‏

فهذا التفاحُ العامر ُمِغلاقُ باب الجنّةِ لي‏

ولي هذا الخصر اللائبُ: حبلُ أمطارٍ استوائيةٍ ليْ‏

وأنا لكْ‏

قمصاني لم تُقَدّ مِنْ دُبُرٍ ولا مِنْ قُبُلٍ قطُّ حتى اليومَ‏

وأنا امرأة العزيز ولستَ يوسُفَ‏

وأنا لكْ..أنا لكْ.. فهيتَ لكْ..‏

*********‏

لي أربعونَ قهراً‏

وسجائرَ أُرممُ بها ثقوب الشهوة في جسدي‏

لكنَّ جوعي للأمومة أكبرْ‏

أنثى .. ولي قلبٌ ولي جسدٌ.. وأمنياتي صغيرة..‏

ولي ما شئتَ مِنْ انتظارٍ ورمادْ‏

لي برودةُ الفراشِ,‏

وطموحُ المخدّةِ لرأسينِ متعانقين كزوج حمامْ‏

ولي الأيامُ الحبلى بالمواعيد السرابِ,‏

والشموعُ المطفَأةُ‏

والأوراقُ الصفرُ أواخرَ أيلولَ ليْ‏

أيلولُ يا مختصر الصَّيفِ‏

يا حادي الخريفِ والعنبِ‏

تُعصرُ العناقيدُ فيكَ للندمانِ‏

ونبيذي في خوابي الانتظار يُعتَّقُ من عامٍ لعامْ‏

وها قد مضى اليوم أربعون عاماً‏

ولا أحدْ..‏

كانونُ يا راهبَ الغربةِ والبردِ حليفي‏

لكمْ كانونكمْ.. ولي كانونيْ..‏

كلُّ أحطابِ الكونِ لا تكفي‏

ليسريَ الدفءُ في شراييني..‏

**********‏

يا لأحلامِ العذارى.. ثوبُ عرسٍ أبيضَ ,‏

وزوجٌ وطفلٌ يملأ النهدينِ حليباً إذ ترتعش شفتيهِ‏

بالشَّدوِ « ماما «‏

هجرناكِ يا أحلام العذارى‏

فلِلأحلامِ الآن أن تصغر أكثرْ‏

ولأمومتيِ أن تصغُرَ.. تكبُر تكبُرَ أكثرْ‏

ولطفليَ أن يكبرَ أكثرَ أكثرْ‏

وإمَّا يبدأ المشيَ ينادي قلبي عليه:‏

( يا ولدي: لا تخرج إلى الشمسِ‏

أخشى على ظلِّكَ أن يقع على الأرضِ )‏

وأنا في الليل... وحدي وسريريْ‏

لا لستُ وحدي‏

فبقربي طفلي أمسح شعرهُ‏

وأُهدهدُ له لينامْ‏

( نامْ ..نامْ.. يالله تنام‏

لادبحلك طير الحمامْ..)‏

وبعد قسطٍ من تأملهِ بين ذراعي‏

أجسُّ جبينهُ الغضَّ بقلبِ أمٍّ مموسةٍ بالشّغفِ‏

فيطيرُ صوابي‏

يا لحمَّائِهِ.. يا لحمَّائِهِ‏

أهرعُ إلى الهاتفِ.. ألو دكتور‏

إنَّ طفلي مريـ...‏

أتلفَّتُ إلى السَّريرِ وأصيح‏

أين طفلي؟! أين طفلي؟!‏

فأتداعى كأكوامِ رملٍ عاجَلَها الموجُ‏

ثمَّ أُدركُ أنه لم يكنْ في الغرفة غيري‏

وأني وحيدةٌ.. أحرس الوقتَ الذي‏

لا ينامْ....‏

**********‏

تكْ .. تكْ‏

إِبرُ الساعةِ في غرفتي المرميةِ على كتفِ الليالي‏

تثقبُ بؤبؤَ عين الرّوحِ‏

وتُشعلُ فيَّ لهفةَ الأُمهاتِ للصِّغارْ...‏

تكْ .. تكْ‏

الأرضُ تدورُ.. وأنا..‏

على قيد الانتظارْ.....‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية