|
الجولان في القلب
حيث تشير الروايات أن السيد «المسيح» توجه في إحدى جولاته مع تلاميذه إلى «قيصرية فيلبي» وهي مدينة «بانياس» في أقصى شمال الجولان، حيث وقف أمام كهف «بان» العظيم الذي يخرج منه نبع الشريعة، حيث سلم «يسوع» رسوله «بطرس» مقاليد السلطة في الكنيسة، هذا الحدث المفصلي حدث على أرض الجولان ومن هنا تعد أرض الجولان أرضاً مقدسة ومقصداً للحجاج على خطا السيد «المسيح» يذكر أن كهف «بان» قد تحول إلى مركز مهم منذ العصور الوسطى، فقد زاره معظم الحجاج الذين زاروا الشرق قبل الحروب الصليبية، كما أنه حظي باهتمام خاص في القرن التاسع عشر مع ظهور علم الآثار الكتابي. ويشير الباحث «خلف» إلى أن هذا الموقع يحظى أيضاً باهتمام خاص لمتصفحي شبكة الانترنت، إذ قدر عدد المواقع التي تتحدث عن كهف بانياس بنحو ربع مليون موقع، وأكد «خلف» أن الاحتلال الصهيوني للجولان ينتهك القوانين الدولية في هذا الموقع ويقوم بعمليات تنقيب واستغلال سياحي إذ يزيد عدد زوار هذا الموقع من الحجاج المسيحيين على مئة ألف حاج سنوياً.
ويذكر كتاب (المسيح في الجولان.. تاريخ وآثار) للباحثين «تيسير خلف» و«عز الدين سطاس» صفحة (26 - 34): أن «بانياس» استمدت اسمها من الإله الوثني «بان» وهو إله (الرعاة والغابات والحيوانات البرية والجبال عند الإغريق) لقد كانت «بانياس» مدينة ذات شأن في العهد السلوقي، وازداد شأنها في العهدين الروماني والبيزنطي، حيث قامت فيها حركة عمرانية واسعة وحركة تجارية وزراعية متطورة، وارتبطت بالمدن الكبرى في المنطقة وحظيت بالأمن والاستقرار ولاسيما في العهد البيزنطي وتوسعت حتى امتدت غربي النهر في العصور الوسطى. وتشير الدراسات إلى أن السلوقيين هم أول من عزا إلى «بانياس» قوى ميتافيزيقية، بعد أن ذكرتهم مناظرها الطبيعية بموطنهم، لقد نقل هؤلاء اساطيرهم المتعلقة بالإله «بان»، إله (الرعاة والصيد والغابات والحيوانات البرية، والجبال المشهورة أيضاً بمزماره) ووفق الأسطورة يعود فضل انتصار السلوقيين على البطالمة إلى هذا الإله، فقد جعل «بان» فيلة الأعداء تصاب بالذعر، خلال معركة «بانيون» التي دارت بين الطرفين، من أجل السيطرة على المنطقة، ويعتقد أنهم أطلقوا على الموقع اسم «بانياس» بعد هذه المعركة تكريماً وتخليداً له. وتصف الأسطورة هذا الإله وتقول: (إن نصفه على شكل إنسان في حين نصفه الآخر على هيئة تيس، وتتباين الآراء حوله فهو يسكن في المغاور والكهوف، وهو طائش ومرح ويعزف بمزماره القصبي أو مزمار الرعاة ويسلي حوريات الماء والحيوانات ويعشق النساء وتعشقه الفتيات والحسناوات، ويقيم حفلات صاخبة ماجنة طوال الليل، ترقص فيها الحوريات على أنغامه، وهو في الوقت ذاته كائن قبيح إلى درجة مخيفة. شيد الإغريق معبداً لهذا الإله في هذا الموقع الرائع وقرب المغارة الكبيرة، التي تشكل أحد مكونات المشهد العام الأساس، وربما كان هذا المعبد أصلاً (لبعل حرمون)، وأصبح لاحقاً للإله «بان»، وهو معبد جمع بين المنظر الطبيعي الساحر بجماله وهيبته، وبين فنون الهندسة المعمارية والنحت، وبشكل يتناسب مع الطبيعة الخاصة لهذا الإله، هي طبيعة محببة ومخيفة في آن واحد وأقام «هيرودوس» الكبير في «بانياس» هيكلاً، تكريماً لأغسطس قيصر، وكله من الرخام الأبيض ولعله بنى له أيضاً قصراً، لقد احتفظ معبد «بان» بأسراره حتى الوقت الراهن فكل ما عثر عليه حتى الآن هو بقايا عبادة هذا الإله، من أهمها مجموعة تجاويف (كوى جدارية)، تزينها كتابات إغريقية، منحوتة في الصخر، ويبدو أن تماثيل الإله «بان» كانت توضع في هذه الكوى، التي تمتد على يمين المغارة الكبيرة. ويشير الباحث سطاس في كتابه المشار إليه إلى أن السيد المسيح قد أولى اهتماماً خاصاً بهذه المنطقة، عبر عن نفسه في الزيارات المتكررة، التي قام بها، للعديد من المواقع في الجولان (كبانياس وبيت صيدا والكرسي وفيق وسوسيا) على سبيل المثال. ونشير هنا إلى زيارة خاصة لبانياس بالغة الأهمية، حيث سلم «يسوع» رسوله «بطرس» مقاليد السلطة في الكنيسة، فقد اتخذ السيد «المسيح» من معبد «بان» في «بانياس» مثلاً محسوساً فاختار «بطرس» أمام هذا الهيكل الجبار، ليقيمه راعي رعاة الكنيسة وأساساً لها، يذكر أن بانياس قد حظيت بكرسي أسقفي لمنطقة الجولان أخيراً نشير إلى أن الاحتلال الارهابي الصهيوني يعمل جاهداً على طمس كل المعالم الآثارية التي تدل على الحضارات المتعاقبة على الجولان المحتل، ظناً منه أنه يستطيع طمس الانتماء الوطني لأبناء وأرض الجولان، لكن بكل تأكيد إن محاولاته هذه قد باءت بالفشل والفشل الذريع لأن إرادة أبناء الجولان وانتماءهم للوطن الأم سورية أقوى من كل المحاولات الصهيونية. |
|