|
أبجــــد هـــوز أما مواعيده التي كانت بمصطلح قبل أو بعد الظهر أو المساويات أصبحت حسب توقيت الساعة التي في يده فتحول إلى كائن مسجون داخل عقارب الساعة. عندما ركب البوسطة لأول مرة في حياته كانت السفرة على أعصابه في كل ضربة فرام أو دعسة بنزين، وحين اشترى راديو كان يخاف أن تفوته نشرة أخبار أو برنامج ما يطلبه المستمعون، وعندما امتلك التلفزيون وكان الإرسال مساءً لم يعد يخرج من البيت مساءً وعيونه معلقة على شاشة التلفزيون وحين ارتدى لأول مرة بذلة رسمية كان يخشى الجلوس أو القرفصة أو الانحناء حتى لا ينجعك الجاكيت أو تذهب كوية البنطلون وبعد أن تزوج صار لا يحلف إلا بالطلاق، وحين ركب الدش على السطح قبع في البيت ستة أيام متواصلة يجلس ويأكل وينام على الصوفا مقابل التلفزيون ولا يغادرها إلا لقضاء حاجة فيزيولوجية يعود سريعاً إلى الرموت كونترول يقلب في الأقمار والأقنية دون أن يثبت على قمر أو قناة، وعندما جاء بكاشف الأرقام لهاتفه الأرضي كان بمجرد وصوله إلى البيت يتوجه إلى هذا الكاشف حتى قبل أن يخلع صباطه من رجليه وحين اقتنى الموبايل أصبح حتى وهو بين أهله وأصدقائه لا عمل له سوى تكبيس أزرار الموبايل والبحلقة بالشاشة الصغيرة وفي أول ركوب له في الطائرة انخلع قلبه حين نظر من النافذة وهو معلق بين السماء والأرض ويسلت على المقعد مع كل جيب هوائي، وعندما اشترى سيارة وركنها أمام باب البيت لم يستطع النوم فغادر فراشه وحمل كرسياً صغيراً وجلس عليه بجانب السيارة وهو يحدث نفسه: كيف يستطيع الواحد أن ينام ورزقه في الشارع؟ شطت به الذكريات من يوم حصوله على الساعة وحتى اقتنائه السيارة فأحس بما حقق لنفسه من رفاهية لكنه شعر أيضاً كم أصبح أسيراً لتلك الرفاهية وكم كبر حجم الحرية التي خسرها وتذكر واحداً من أجداده القدامى الذي لم يكن يملك سوى مزماره الذي ينفخ فيه تحت فيء شجرة وهو بين أغنامه التي يرعاها فردد في نفسه: نيالك يا جدي شو كنت حر وبالك فاضي وفكرك مرتاح. |
|