|
حديث الناس وربما معاناة كبيرة في بعض الاحيان والمواقع, ويعتقد هذا البعض أن المسألة لاتتطلب أكثر من جملة من القرارات والبلاغات, بعد توفر نيات الاصلاح طبعا, حتى نمسي على تخلف ونستيقظ على إصلاح وتحديث, وإن العثرات على هذه الطريق هي من النوع التقني والإداري فحسب, فيصور أصحاب هذا الرأي الأمر في غاية السهولة والبساطة, يكفي الدولة فيه أن تستعير نموذجا جاهزا من نماذج الحداثة في أوروبا أو أميركا أو أي مكان في العالم, وتشرع بتطبيقاته منذ الغد حتى تنتقل الى الحداثة والتطور اعتبارا من بعد غد. مثل هذا التصوير للمسألة يصلح مادة للتندر أو التسلية وتمضية الوقت في المقاهي أو الحدائق العامة أو الجلسات الخاصة, بل هو شبيه بالكيميائي الذي يحضر مواد معروفة في التجربة الكيميائية فيخلطها في بوتقته ويراقب تطوراتها خلال دقائق أو أيام ليحصل بعدها على النتائج التي يريد, هو يقوم مقام الدولة في هذه التجربة فيما تقوم المواد مقام الناس. ليس هذا صحيحا بالطبع, لن يكون صحيحا بالمطلق طالما أن مواد تجربة الإصلاح والتحديث هم الناس, ومخبر التجربة هو المجتمع والكيميائي هو جزء من المجتمع ينطوي على ماينطوي عليه هذا المجتمع, أي كم هائل ومتعدد ومتنوع من المكونات الثقافية وماتتدرج فيه من تعليم وأمية ومصادر ثقافة مختلفة ومن المكونات النفسية والاجتماعية وماتنطوي عليه من عقد ومركبات وطرائق فهم وإدراك وغير ذلك ومن مكونات الأمزجة والمواقف الموروثة أو المكتسبة. ولطالما أن الحوار وحضور الرأي والرأي الآخر هو شرط عملية الإصلاح وبما يفوق قدرة أي كيميائي على مواصلة التحكم والسيطرة على توجيه هذا التفاعل الاجتماعي الكبير باتجاه الاصلاح والتحديث. واذا كان ثمة حسنة واحدة وغير متعمدة للضغوط والتهديدات الخارجية التي تتعرض لها بلادنا في هذه المرحلة ولاسيما بعد أن تكشفت حقيقة هذه الممارسات وافتضح زيف شعاراتها وسمية أهدافها فهي وطدت حالة من الوحدة الوطنية التي جمعتنا في مواجهة تلك التهديدات وجعلت من المقاومة والرفض خيارنا الأول فيها وكشفت أيضا أن هذه الوحدة ليست قرارا من الدولة فحسب بل هي حالة اجتماعية ثقافية أولا عبر عنها رأس الدولة! لعلني أطمح إلى الهبوط بعملية الإصلاح والتحديث من اعتبارها قرار دولة ومسؤوليتها الى تعميمها كحالة اجتماعية ثقافية أولا, أي الى حالة وطنية بكل ماتعنيه من أحاسيس ومشاعر ثم من مسؤوليات وأدوار ومهام ونتائج شأنها في ذلك شأن حالة الوحدة الوطنية التي نعيش اليوم, ولعلني لا أجد فارقا كبيرا بين الحالتين فكلاهما دفاع عن الوطن والمستقبل?? |
|